جاري تحميل الصفحة
مدارس المهدي

النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئيّ في محفل الأنس بـ "القرآن الكريم"

نيسان 01, 2023
قيم الموضوع
(0 أصوات)

النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئيّ في محفل الأنس بـ "القرآن الكريم" في تاريخ 2023/03/25

      

بسم الله الرّحمن الرّحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.

[1]كانت جلستنا اليوم جلسة عذبة وممتعة للغاية. فقد أضفتم إشراقة بحضوركم وبرامجكم الجذّابة والجميلة على شهر رمضان، وجعلتم العام [الجديد] عذبًا لنا بهذه البداية الجميلة والحلوة، فشكرًا جزيلًا. كانت البرامج التي جرت تأديتها جيّدة جدًّا، وكذلك السّيد يراقبافان[2] الذي كان مشغولًا بتطريز الذّهب كالعادة دائمًا،[3] حفظه الله، إن شاء الله.

أستمع لإذاعة التّلاوة والبرامج التلفزيونيّة القرآنيّة إلى حدّ ما. كلّما أسمع تلاوة وأجدها جذّابة وناضجة ومميّزة، أشكر الله من أعماق قلبي. يحدث هذا كثيرًا بحمد الله، أيْ لدينا اليوم في البلاد كثير من القرّاء البارزين وذوي التلاوة الجيّدة والقراءة الصّحيحة والملمّين بأساليب التّلاوة الجيّدة. حقًّا يشاهدهم المرء واحدًا تلو الآخر هكذا، فلا بدّ أن نشكر الله. إذا أردنا المقارنة مع ما قبل الثورة، فلا تمكن المقارنة إطلاقًا. قبل الثّورة، وفي مشهد كلّها الّتي كانت تعدّ في ذلك اليوم من المراكز المهمّة للتّلاوة والتّجويد وما إلى ذلك، ربّما لم يكن هناك أكثر من اثنين أو ثلاثة قرّاء على الأكثر يستطيعون قراءة القرآن بأسلوب صحيح وجيّد. طبعًا لا أقصد الأساتذة الكبار في السن [بل] أولئك الّذين يشاركون في جلساتنا وكنّا نشاهدهم، على سبيل المثال: السّيد فاطمي، والسّيد مختاري. كانوا شخصين أو ثلاثة ولم يكونوا أكثر. [لكن] لا يمكن إحصاء عددهم اليوم - بحمد الله - لكثرة قرّاء القرآن في أنحاء البلاد وأرجائها كافّة.

 

حسنًا، رأيتم هذا الشّاب البوشهري[4] إذ تذكّرت أنّه في ذلك العام الذي جاء إلى هنا وتلا القرآن شرح أنه من قرية يدأبون فيها جميعًا على الأعمال القرآنيّة. إنها قرية مركز للقرآن. إنّكم تشاهدون هؤلاء، وهناك كثير من هذا القبيل في أنحاء البلاد كافّة - بحمد الله - وهذا مدعاة للشّكر. قدّم إليّ الأصدقاء تقارير [تفيد] بأن نموّ القرآن في المجتمع أعلى من جميع مؤشرات النموّ في البلاد. هذا مصدر فرح وسعادة عظيمين.

أودّ أن أقول جملة حتى يتّضح قدر قارئ وتالي القرآن لنا جميعًا ولأنفسهم أيضًا: إنّ قارئ القرآن وتاليه يوصل رسالة الله المتعالي إلى المستمعين، أي أنتم الّذين تجلسون هنا وتتلون تؤدّون رسالة. إنّكم تنقلون رسالة، توصلون رسالة الله إلى قلوبنا. هذا مقام رفيع جدًّا وبارز، إنّه افتخار عظيم جدًّا. ولكي توصلوا هذه الرّسالة جيّدًا ثمة أدوات لازمة إحداها الصّوت الجيّد، وأخرى أساليب التّأثير مثل اللّحن وبعض الخصائص الأخرى الّتي سأذكرها بإيجاز لاحقًا. وأنا أرى أن بعض قرّائنا الأعزّاء، الّذين أسمع أصوات تلاوتهم من المذياع، على دراية تامّة بهذه النّقاط ويستخدمونها. إنّهم يستخدمونها ويتضاعف أثر تلاوتهم.

الاستماع للقرآن عمل واجب وضروريّ، سواء تلاوة القرآن للنّفس أو الاستماع لـ[تلاوة] الآخر القرآنّ. إنه عمل ضروريّ. إنه لازمة الإيمان بالوحي أولًا؛ {الّذِينَ آتيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حقَّ تِلاوَتِهِ أُولٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} (البقرة، 121)؛ إذًا، تلاوة القرآن هي لازمةُ الإيمان. أو [يقول]: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (النساء، 81)‌؛ حسنًا، متى يتحقّق التّدبّر؟ حينما تتلون أو تستمعون؛ في هذه الحالة. لذا، الاستماع لـلقرآن ليس أمرًا ترفيهيًّا. إنّني أقول دومًا لمختلف الأصدقاء، من المسؤولين وغير المسؤولين، والشّباب، عندما يصدف ونتحدّث عن القرآن، فأقول: احرصوا على قراءة القرآن كلّ يوم. طبعًا، لا أقول: اقرؤوا كلّ يوم نصف جزء أو حزب مثلًا... نصف صفحة في اليوم، صفحة واحدة في اليوم، لكن [ينبغي] ألّا يُترك. ينبغي ألّا يكون هناك يوم في العام لا تفتحون فيه القرآن وتتلونه. إذًا، هذا الاستماع للقرآن أمر واجب أوّلًا من أجل الإيمان، وثانيًا لأنّه يؤسّس للرّحمة الإلهيّة، إذ يقول: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف، 204)، أي الإنصات إلى القرآن، والاستماع له، يؤسّس للرّحمة الإلهيّة، فما هو أفضل من هذا! هذا من أهمّ العوامل الّتي يمكن أن تعرّف الإنسان إلى الرّحمة الإلهيّة.

 

يجب أن تؤدّى التّلاوة بتدبّر.طبعًا مشكلة شعبنا الأعزاء أنهم ليسوا على دراية جيّدة بلغة القرآن. تلاحظون في البلدان العربيّة أنّ الأشخاص العاديّين الجالسين للصّلاة، على سبيل المثال في مسجد الإمام الحسين (ع) [5] أو أماكن أخرى، حيث يقرأ القرّاء القرآن قبل الصلاة، يفهمون المُراد مباشرة، أي ظاهر القرآن، وهو بالطّبع «ظاهره أنيق وباطنه عميق»[6]؛ له باطن عميق، وقد لا يكون معظمه متاحًا للنّاس، ويحتاج إلى مزيد من التّفسير والتّوضيح من أهله، ولكنّ ظاهر القرآن نفسه مفيد للجميع، ويمكن للجميع الاستفادة من هذه الظّواهر. مشكلتنا هنا، وعلينا حلّها بطريقة ما.

قد دوّنت هنا أنّ أحد الأمور المهمّة أنّه يمكننا المزج بين تلاوة القرآن والتّرجمة التّفسيرية، وليس مجرّد ترجمة لمعنى الكلمات، أي ترجمةٌ تفسيريّة، إذ إنّ بعض التّرجمات الرّائجة اليوم والمتاحة للنّاس لها هذه الميزة، فهم أولوا اهتمامًا ببعض النّقاط فيها. لحسن الحظ أيضًا، يوجد اليوم تفاسير جيّدة جدًّا وسلسة، أي ليس لدينا اليوم مشكلة في ترجمة القرآن أو التّفسير. بحمد الله، هناك [تفاسير] كثيرة متاحة: تفسير نمونه [الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل] هذا وتفاسير أخرى، وهناك تفاسير كثيرة من هذا القبيل. يجب أن تجدوا أسلوبًا وطريقة. على المتخصّصين في العمل القرآني والمهتمّين بهذه القضايا أن يجدوا طريقة حتى نتمكّن من إدراج الترجمة بطريقة ما في المحافل القرآنيّة حيث يُتلى القرآن.

طبعًا يجري الآن عمل صغير في إذاعة التّلاوة ويعجبني ذلك: قبل بثّ التلاوة يقرأ مقدم البرنامج ملخصًا من هذه التّفاسير المتداولة حول مضمون آية أو اثنتين من الآيات التي سيقرؤها ذاك القارئ. هذا جيّد جدًّا. إنّه جيّد للغاية. طبعًا، حتى لو أنّ هذا القارئ ربما سيقرأ عشرين آية أو ثلاثين، وهذا [المقدّم] يشرح آية واحدة أو اثنتين، فحتى ذلك أمر مغتنم أيضًا. هذا ما يجري فعله في إذاعة التّلاوة الآن. كنت أفعل شيئًا مشابهًا لهذا قبل الثّورة في الجلسات التي كنت أتحدّث فيها حول قضايا قرآنيّة. كان الأمر كذلك: كنت أقدّم شرحًا مفصّلًا - مثلًا ربّما ساعة - حول موضوع ما، وكنا قد اخترنا آيات لذلك الموضوع. بعد حديثي يأتي أحد القرّاء، من الأصدقاء أنفسهم الّذين كانوا في مشهد - القرّاء الّذين لا يزال بعضهم، بحمد الله، على قيد الحياة، وبعضهم ارتحل إلى رحمة الله - ويجلس، فكنت أقول إنّ [آخرين] يجعلون القرآن مقدّمة للخطاب في المجالس، وأنا أجعل خطابي مقدّمة للقرآن. كنت ألقي الخطاب - أخطب واقفًا - وكان هناك كرسيّ أو منبر، والقارئ يأتي ويجلس على المنبر ويتلو القرآن. كنّا نفعل ذلك آنذاك. الآن لا أعرف كم هو ممكن فعل هذه الأعمال في هذه الجلسات. على أيّ حال، لا بدّ من اختيار طريقة. قد يكون هذا العمل على عاتق هذه المجموعات القرآنيّة لمعرفة ما يمكن فعله حتى يتمكّن النّاس من أن يكتسبوا ويفهموا المضامين والمفاهيم على ذلك النّحو حين تلاوتكم.

من الأعمال الجيّدة للغاية رواج التّلاوة والاستماع للقرآن في المساجد كافّة. بعض المساجد على هذا النّحو: تقام فيها تلاوة [القرآن].ما أروم قوله أنّه إذا استطعنا، يجب أن نجعل كلّ مسجد مقرًّا لـلقرآن، أيْ أن يدعوا قارئًا أو اثنين - الحمد لله، هناك كثير من القرّاء - للحضور قبل الصّلاة. طبعًا، إذا أمكن، يجب أن يفعلوا هذا كلّ يوم، وهو أمر صعب بعض الشّيء. لكن لا بدّ أن يأتي قارئ القرآن إلى المسجد مرّة واحدة على الأقلّ في الأسبوع ويجلس ويتلو ويستمع النّاس. طبعًا، هو نفسه، أو شخص إلى جانبه، يقدّم تفسيرًا وترجمة تفسيريّة قصيرة وموجزة ​​أيضًا حتى يفهم النّاس. أعتقد أن هذه [الطرق] جيّدة.

ينبغي أن يُولى بعض الاهتمام بالقضايا المتعلّقة بـالقرآن. إنّه كتاب حياة، كتاب حكمة، كتاب دروس. لقد تحدّثنا كثيرًا في هذا الصّدد ولا أريد تكرار ما قلناه. لـلقرآن دروس في جوانب الحياة كافّة. عندما تنظرون في أيّ صفحة منه، وعندما ندقّق ونتدبّر، يمكن للإنسان العثور على عشرات النّقاط الأساسيّة للحياة في كلّ صفحة من القرآن. هذه قضايا مهمّة. ليست القضايا المتعلّقة بعالم الآخرة فقط - هي ثقيلة جدًّا وبارزة وقويّة في القرآن – بل حتى القضايا المتعلّقة بحياتنا الشّخصيّة والأُسَريّة والحكوميّة، وكذلك علاقاتنا الدّوليّة. هناك حكمة في القرآن وتدبير في ما يتعلق بهذه [النّقاط] كلّها وتجاهها جميعها. لذا، علينا الاستفادة منها ومن القرآن.

بحمد الله، المجتمع القرآنيّ واسعٌ اليومَ. كنّا نقول هذا الكلام ذات يوم [لكن] لم تكن هناك أيّة بنيةٍ تحتيّة له، فقد كان هناك عدد قليل ممّن هُم على أُنس بـالقرآن. أولئك مثلًا الّذين يَعظون النّاس ويتحدّثون إليهم لم تجرِ الاستفادة من القرآن في كثير من بياناتهم وأمثال ذلك. اليوم، البنية التحتيّة وافرة للغاية، بحمد الله. لدينا الكثير من قرّاء القرآن، ولدينا الكثير من حفظته، ولدينا الكثير ممّن يتلونه، ولدينا الكثير من المستمعين والمهتمّين به الّذين يشاركون في المجالس القرآنيّة حيث يرى الإنسان ذلك. لذا، يجب العمل قدر المستطاع، والعمل أكثر على تلاوة القرآن وعلى المعرفة به وبمفاهيمه. هذه قضيّة مهمّة.

 

سوف أتوجّه ببضع نقاط إلى من يتلون القرآن:أنتم بما أنّكم تتلون الآن ويستفيد النّاس، وقد منحكم الله المتعالي هذا الشّأن العظيم ومنّ عليكم بهذا التّوفيق العظيم، إذ في مقدوركم أن تجلبوا الرّسالة الإلهيّة إلى النّاس وتخاطبوا القلوب، سأعرض عليكم بضع نقاط. يجب أن تكون التّلاوة من أجل التّأثير في المخاطب. ولهذا أساليب سأعرض بعضها في ما بعد. طبعًا، لديكم إلمام بمعظمها. التّأثير في المخاطب، أي حين تشرعون في التّلاوة، يجب أن تكون نيّتكم أن تؤثّر تلاوتكم في مخاطبكم. لدينا نوعان من التّلاوة: أحدهما التّلاوة الّتي تهدف إلى التّأثير، والنّوع الآخر التّلاوة الّتي تهدف إلى الغناء. هل تستغربون؟ لا تستغربوا! طبعًا أنتم - الحمد لله - لأنّكم جميعًا صالحون وأنقياء وذوو نيّة صادقة قد يثير الأمر استغرابكم، لكن لا. من يكن على معرفة بهؤلاء القرّاء الأجانب خارج بلدنا - لن أذكر اسم البلد - فسيجد أنّ بعضهم حين يتلون [القرآن] كأنّما غايتهم أن يستعرضوا الألحان والأساليب أمام المستمع باستمرار. والمستمع محترف أيضًا. بعضهم لديهم مستمعون محترفون. هذه الضّجة التي تسمعونها، يصرخون ولا يفهم المرء ما يقولونه! هؤلاء هم المحترفون أنفسهم. عادةً ما يبحث هؤلاء عن هذه الأمور. في التّجمّعات العامّة حيث ترون أنّ النّاس يصرخون ويقولون: «الله» ويبكون أحيانًا، فذاك هو التّأثير. لكن في هذه المجالس الخاصّة حيث هناك خمسون أو مئة أو عشرون يحيطون بالقارئ ويصدرون الضّوضاء ويحدثون ضجّة، واضح أنهم يستمتعون بتلك النغمة الجميلة والمؤثّرة التي يستخدمها. وربما لا يلتفتون إلى المعاني أصلًا، وذلك القارئ نفسه كذلك.

سأقدّم مثالًا. طبعًا لم أكن أتمنّى ذكر الأسماء. مثلًا قارئ بأداء جيّد وصوت جميل: على سبيل المثال، لنفترض أن محمّد عمران لديه صوت جميل جدًّا، كما أنّه بارع في الأنغام. سمعت أنهم قالوا إنه أكثر الأشخاص إتقانًا للأنغام العربيّة. يقرأ «القرآن». سورة يوسف: {بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * الر (1)}. ثم: {تِلْك آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (1)}. يقرأ بضع آيات ثم يعاود: {بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * الر}. لا يقرأ تكملتها. ثم مرة أخرى: {بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * الر}. لقد أحصيتها. في هذه الدقائق الأولى نحو ثماني مرات أو تسعٍ قال: {بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * الر}. حسنًا، ما الدّاعي [هنا]؟ نعم التّكرار جيّد جدًّا. افترضوا مثلًا أن القارئ يقرأ: {وّمنْ أحْسنُ قوْلًا مِمّنْ دعا إِلى اللّهِ} (فصلت، 33). تكرار هذه الآيات جيّد جدًّا. الآيات الأولى نفسها التي قرأها السّيد فردي. كنت أنتظر أن يكرّر أوّل آيتين أو أوّل ثلاث، فهذه كانت تستحقّ التّكرار. من الجيّد جدًّا في بعض الأماكن ومن اللّازم والضّروري تكرار الآيات. فتكرارها له التّأثير دومًا لكن ما فائدة [تكرار]: {بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * الر}؟ ما تأثيرها في الجمهور سوى أنّها [تُظهر] طرق القراءة المختلفة - الأساليب الموسيقيّة – التي يقرؤها وهم يستمعون. هذه القراءة والتّلاوة ليست المطلوبة، فالتّلاوة يجب أن تكون للتّأثير.

بالطّبع، يرتبط التّأثير في الدّرجة الأولى بالقارئ نفسه. إذا ما تأثّر القارئ نفسه بتلاوته - يرى المرء حقًّا أنّ بعض القرّاء المصريّين يتأثّرون بتلاوتهم - فإن التّأثير يكون أكبر بطبيعة الحال. هناك أيضًا بعض الأساليب التي سأشير إليها. لديّ هدف من ذلك، ولست أريد أن أعلّمكم تلك الأساليب، فأنتم أنفسكم تعرفونها أكثر منّي. [لكن] لديّ غرض من هذا.

إحدى الأساليب استخدام القراءات المختلفة. يتلو بعضهم القراءات المختلفة للتّباهي [فقط]، أي لا فائدة منها حقًّا: القراءات الشّاذة والضّعيفة، القراءات المهجورة. على سبيل المثال، تتكرّر أحيانًا إحدى الآيات بخمس قراءات مختلفة أو ستّ دون فائدة. هذا النوع من الاختلاف في القراءة ليس محبّذًا كثيرًا ولا أوصي به أبدًا رغم أنّ بعض الاختلاف في القراءات جيّد جدًّا، إذ سأقدّم الآن نماذج على ذلك.

بعض الاختلاف في القراءة جيّدة جدًّا، لكن هناك بعض الأماكن لا يكون للاختلاف، الّذي يؤدّي إلى التّكرار، أيّ فائدة أو تأثير. إطلاقًا! بل يربك ذهن المرء في بعض الأحيان ويشتّته، لكنّه جيّد جدًّا في بعض الأماكن. سأذكر مثالين أو ثلاثة: أحدهما تلاوة عبد الباسط في سورة يوسف: {هَيْتَ لَكَ، 23} حيث يكرّرها مرّة تلو أخرى، أي لا ينتظر حتى ينتهي من الآية ثم يعيدها... وقالت هَيْتَ لك، وقالت هِئتَ لك، وقالت هِئتُ لك. يكرّرها مرارًا. يُريد أن يظهر أهمّية الموقف [بهذا التّكرار]. يريد أن يظهر الأهمّيّة. إذا ما قرأ مرّة واحدة وعَبَرَ عنها، فلن يلاحظ المُستمع مثل هذا الموقف المهمّ: شابٌّ في غرفة خالية وهناك امرأة بتلك الصّفات تُقبل عليه بهذا الإصرار لكنّه يمتنع عنها.

هذه هي أهمّيّة هذه القضيّة، أي يريد أن يصف الموقف في ذهن الجمهور على نحو يشعر معه المُخاطب كأنّ الأمر يحدث أمام عينيه، ولهذا يكرّر. هذا النّوع من التّكرار نادر أيضًا في تلاوات القرّاء العرب البارزين الّذين يكرّرون مرّة تلو أخرى. هذا نموذج، وهو جيّد. إذا ما تمرّن الأصدقاء على ذلك وعملوا كذلك، وإذا ما كان هناك اختلاف قراءة مثلًا وبيّنوه، فسيكون جيّدا للغاية. مثلًا في: {سَلامٌ عَلَى إِلْ ياسِين} (الصّافات، 130) تلك، فإن قراءة ورش هي «آل ياسين»: «سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ»، «سَلَامٌ عَلَى آلِ ياسِينَ». تُقرأ «آل ياسين» في ورش فقط، وتُقرأ في [القراءات] الباقية «إِلْ ياسين». تكرارها ليس سيّئًا مثلًا: «سلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ»، «سَلَامٌ عَلَى آلِ ياسِينَ».

 

نموذجٌ لافتٌ آخر، وكان عذبًا وجذّابًا بالنّسبة إليّ، هو تلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل في سورة النّمل، إذ حين يقول النبيّ [سليمان (ع)]: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} (38)، هنا {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ} (39). هنا يُبرز [الاختلاف في القراءة] نفسه. بالمناسبة، كان الجنّ تحت أمر النبيّ سليمان (ع) لكنّ قلوبهم لم تكن معه فـ{تَبَيَّنّتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعذابِ الْمُهِينِ} (سبأ، 14) - في سورة [سبأ] – وهذه الآية تشير إلى أنّهم خاضعون للأوامر وأنّ النبيّ (ع) كان قد سخّرهم لكنّ قلوبهم لم تكن معه. حسنًا ماذا يفعل الشّيخ مصطفى إسماعيل هنا [حيث يقول]: {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} (النّمل، 39)؟ يقرأ بداية هذه [الآية]: {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} ، [ثمّ] يقرأ: { أَنا آتِيكَ بِهِ } بقراءة وَرش، أي يكرّر الموضوع مستخدمًا قراءة وَرش. لماذا؟ لأنّ قراءة وَرش هنا تُظهر تكبّر هذا العفريت أكثر. لاحظوا! هذا [النّوع من القراءة] يُظهر نفسه وهو يكرّر لهذا السبب. أعتقد أنّ مصطفى إسماعيل – مع ما يعلمه المرء عن هذا القارئ البارز والعظيم – يتعمّد هنا تكرار هذه القراءة فورًا، أي لا يسمح بأن تنتهي الآية ليبدأ بعد ذلك. هناك بعد {أَنا آتِيكَ } حيث القراءة المعروفة لحفص عن عاصم يكرّر قراءة ورش لكي يعرض مدحه نفسَه.

ثمّ يوجّه «اَلَّذي عِندَهُ عِلمٌ مِنَ الكتاب» صفعة إلى هذا، فذاك يقول أيضًا: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} (النمل، 40). هنا أيضًا يفعل [الشّيخ مصطفى إسماعيل] الأمر نفسه أيضًا، وهنا كذلك يقرأ بالأسلوب نفسه، أي أنّ عبدًا خالصًا من أصحاب النّبيّ سليمان (ع) يردّ على حركة مخطئة متكبّرة لـ{عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ} ويوجّه صفعةً إليه في واقع الأمر. لاحظوا! هذه الاستفادة من الاختلاف في القراءة على هذا النّحو هي أمرٌ مميّزٌ تمامًا، لكن لو اختلفت القراءة دون [مراعاة] هذه الجوانب أو هذه الدّقائق والالتفاتات... طبعًا لا إشكال من وجهة نظري – أنا العبد – لو كان ذلك بنسبة قليلة؛ أنتم تعلمون أنّ ورش لأنّه كان يسكن مصر، وواقع الأمر أنّ ورش عن نافع إرث المصريّين، ولذلك يولون [قراءته] الاهتمام. لا بدّ أنّكم سمعتم بأن لديهم هناك أيضًا تراتيل يؤدّونها بقراءة وَرش حصرًا. من بدايتها إلى نهايتها [تُؤدّى] بقراءة وَرش. قراءة وَرش عن نافع [رائجة] في مصر وبعض دول شمالي إفريقيا الّتي تُعدّ غربيّ العالم الإسلاميّ. كما أنّ قراءة حمزة تنطوي على جماليّة معيّنة بسبب الهمزة بعد الحرف الساكن إذ تُحدث سَكتةً فيها، ولا إشكال فيها في بعض الحالات. لكنّ الإفراط في عرض هذه القراءات المتعدّدة واللّجوء إلى أنواع كلماتهم وأقسامها خاصّة بعد تلك الإمالات العجيبة والغريبة التي يؤدّونها والتي لا يمكن للمرء أن يستوعب سببها [ليس صحيحًا]. لا أعتقد أنّ عربيًّا في العالم العربي اليوم لديه مثل هذا النوع من الإمالة في البيان. طبعًا لعلّه كان رائجًا في ذلك اليوم الّذي عرض فيه جناب حمزة – أحد القرّاء السبعة – مثل هذا الشّيء. لكنّني لا أتصوّر أنّهم في العالم العربيّ اليوم – أي لم أسمع ولم أرَ حتّى الآن – يتحدّثون بهذا الأسلوب أو يميلون الكسرات كذلك. على أيّ حال، هذا في ما یخصّ هذا المعنى.

هناك نقطة أخرى أيضًا وهي أسلوبٌ في الواقع، إنها حول أنواع الفصل والوصل في الحقيقة.أحد القرّاء ممّن أدّوا التّلاوة هنا كانت [قراءته] جيّدة جدًّا من هذه النّاحية، أي غالبيّة السّادة تقريبًا الذين أدّوا التّلاوة اليوم، خاصّة أحدهم، كانوا يمارسون الفصل بأسلوب مميّز جدًّا، فيلتفت قلب المستمع إلى ذاك المقطع. في بعض الأحيان، يؤدّي فصل الموضوع في آية قرآنيّة إلى أن يترسّخ في العقل، وأحيانًا إلى أن تبرز أهميّة الموضوع والخصوصيّة والنّقطة التي ينطوي عليها. أحيانًا يكون الأمر على هذا النّحو ولا بدّ طبعًا من ضرب الأمثلة حتى يتّضح المقصود بصورة صحيحة، ولا يسعنا الوقت الآن. كذلك إن كثيرًا من الأمثلة ليست حاضرة في ذهني الآن. حسنًا، ما يحضر في ذهني على سبيل المثال أيضًا تلاوة مصطفى إسماعيل في سورة القصص: {فَجاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} (القصص، 25). حسنًا، كيف سنقرؤها لو أردنا؟ سنقرؤها هكذا: {فَجاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}. جاءت إحدى الفتاتين وكانت تمشي باستحياء. حسنًا، هذه هي القراءة العاديّة. لكنّ مصطفى إسماعيل لا يقرأ على هذا النحو، بل يقول: {فَجاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي}، ولا يقول: { عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، بل يُحدث وقفة ثمّ يقول: { عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}. لماذا؟ لأنّ حياء الفتاة له معنى. حسنًا، هذه الفتاة كانت قبل ذلك أو قبل ساعة من هذا الموقف إلى جانب هذا الشّاب وسقت أغنامها الماء وغادرت، فلماذا تخجل الآن [لكنّها] لم تكن تخجل آنذاك؟

[لأنّهما] ذهبتا إلى والديهما ومدحتا هذا الشّاب وجرى حوارٌ داخل المنزل حوله، وهذا ما يجعل هذه الفتاة حين تعود تشعر بالحياء؛ { عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}. يريد أن يُبرز هذا الأمر ويُلقي الضّوء عليه، وهذا ما يجعله يقول: {تَمْشِي}، ثمّ يقول: { عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} بشكل منفصل. الأمر من هذا القبيل، ومن الجيّد جدًّا في رأيي – أنا العبد - أن يجري الالتفات إلى هذه الأمور. أو تكرار بعض الآيات والجُمل، أو ارتفاع الصّوت وانخفاضه في بعض المواضع. هذه كلّها أساليب مهمّة تسهم في تأثير القرآن في القلوب.

على أيّ حال، عملكم عملٌ مهمٌّ وعظيم، وهو بارز وفنّي. إنّه فنٌّ مركّب. هذا العمل الذي تؤدّونه فنّ. فنّ تلاوة القرآن فنٌّ عظيم وهو مركّب، أي هو تركيبٌ من اللّحن ومختلف الخصائص التي يجري الاهتمام بها في التّلاوة من أجل أن يتمكّن الإنسان من التّأثير. التفتوا فقط إلى ألّا تتلوا من أجل نوع اللّحن. اتلوا القرآن بأيّ لحن بنيّة التّأثير في الطّرف المقابل، أي يجب أن تكون النيّة والهدف على هذا النّحو، لا كما حال بعض القرّاء العرب المعروفين. لقد مدحتُ الآن مصطفى إسماعيل لكنّه أيضًا كذلك في بعض الأحيان. أحيانًا يقرأ بأسلوب يُشعر المرء بأنّه يرغب في استعراض اللّحن وكيفيّة القراءة أمام المخاطب وأن يجعله يتأثّر. لكنّ تلاوته في حالات عدّة تلاوة روحانيّة ومؤثّرة.

نأمل أن يوفقكم الله المتعالي جميعًا - إن شاء الله - وأن يوفّقنا جميعًا لكي نأنس بـالقرآن أكثر ونتعرّف إليه أكثر. وإن شاء الله، نستطيع أن نؤدّي واجبنا في هذا الجزء من القضايا القرآنيّة. الجزء المهم هو العمل بـالقرآن، وهو فصل آخر ومقولة واسعة جدًّا. في الجزء المتعلّق بتلاوة القرآن واحترامه، ذكرنا هذه الخصائص في ما يتعلّق بها. نرجو أن يوفّقكم الله، إن شاء الله.

اللّهم بحقّ محمّد وآل محمّد، احشرنا مع القرآن. أحينا مع القرآن. احشرنا مع القرآن في القبر ويوم القيامة. مُنّ علينا بأكبر نفع من القرآن. اجعل مجتمعنا مجتمعًا قرآنيًّا. مَن علّمونا القرآن، ومَن علّمونا التّجويد، ومَن علّمونا الرّموز القرآنيّة، اللّهم اشملهم بلطفك ورحمتك ومغفرتك. نسأل الله أن يحشر أساتذتنا القرآنيين مع أوليائه، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] في بداية هذا المحفل الذي أقيم في أول يوم من شهر رمضان 1444، تلا عدد من القراء والفرق الجماعية آيات من القرآن الكريم وموشحات قرآنية.

[2] السيّد مجيد يراقبافان، مقدم المحفل.

[3] يلاطف سماحته مقدّم الحفل نسبة إلى عائلته بالفارسية، التي تعني المُطرِّز.

[4] السيّد طه حسيني، من أهالي قرية تشارّكْ (چارک) خور موج.

[5] في القاهرة.

[6] نهج البلاغة، الخطبة 18.

 

 
اخر تعديل الثلاثاء, 09 أيار 2023 11:28 قراءة 1996 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

الرزنامة


نيسان 2024
الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت
31 1 ٢٢ 2 ٢٣ 3 ٢٤ 4 ٢٥ 5 ٢٦ 6 ٢٧
7 ٢٨ 8 ٢٩ 9 ٣٠ 10 ٠١ 11 ٠٢ 12 ٠٣ 13 ٠٤
14 ٠٥ 15 ٠٦ 16 ٠٧ 17 ٠٨ 18 ٠٩ 19 ١٠ 20 ١١
21 ١٢ 22 ١٣ 23 ١٤ 24 ١٥ 25 ١٦ 26 ١٧ 27 ١٨
28 ١٩ 29 ٢٠ 30 ٢١ 1 2 3 4
لا أحداث

مواقع صديقة

Image Caption

جمعية المبرات الخيرية

Image Caption

مؤسسة امل التربوية

Image Caption

مدارس الامداد الخيرية الاسلامية

Image Caption

المركز الاسلامي للتوجيه و التعليم العالي

Image Caption

وزارة التربية والتعليم العالي

Image Caption

جمعية التعليم الديني الاسلامي

https://socialbarandgrill-il.com/ situs togel dentoto https://sabalansteel.com/ https://dentoto.cc/ https://dentoto.vip/ https://dentoto.live/ https://dentoto.link/ situs toto toto 4d dentoto omtogel http://jeniferseo.my.id/ https://seomex.org/ omtogel https://omtogel.site/