جاري تحميل الصفحة
مدارس المهدي
مساحة التلامذة - بعلبك

مساحة التلامذة - بعلبك (18)

الأربعاء, 25 كانون2/يناير 2017 09:57

أثر الصلاة في وقتها

كتبه

بسم الله الرحمن  الرحيم

 

العنوان:أثر الصلاة من النّاحية الرّوحية و النفسية

      كلنا نعلم أنّ حالة الانسان النفسيّة تتحسّن اذا افضى بمشكلاته لصديق حميم,أو لمعالج نفسي,فما بالك بمقدار التحسن الّذي يمكن أن يطرأ عليه اذا افضى مشكلاته لله سبحانه وتعالى,فقام عقب كلّ صلاة بمناجاة ربّه و دعاءه و الاستعانة به.أهم ما في الصلاة انّها عمل منتظم,وتستمر حتّى آخر لحظة في حياة المؤمن.فلنجر معًا عزيزي القارئ و نغوص في بحرها العميق و نكتشف معًا الآثار النفسيّة و الرّوحيّة,الوقائيّة والعلاجيّة العظيمة للصّلاة.

 

     انّ وقوف المؤمن بين يدي الله تعالى يشعره بضعفه أمام هذا الالآه العظيم,ما يساعده على ازالة كل ما ترسّب في باطنه من مخاوف و انفعالات سلبيّة,ولذلك قال الله تعالى:"انّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات و أقاموا الصّلاة و آتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"

    الصلاة تمنح المؤمن طاقة روحيّة عجيبة تؤدّي الى اطمئنان القلب وزوال القلق وهدوء النّفس و صفاء الذّهن.هذه الطّاقة تزداد مع الخشوع الّذي يساعد على التّأمّل و التركيز و الّذي هو اهم طريقة لمعالجة التوتّر العصبي.ولذلك امرنا الله تعالى به أثناء الصلاة فقال"قد افلح المؤمنون الّذين هم في صلاتهم خاشعون."

    يقول الطّبيب توماس هايسلوب:"انّ اهم المقومات الّتي عرفتها خلال سنوات طويلة قضيتها في الخبرة و التّجارب هي الصّلاة" و بوصفي طبيبًا أقول انّ الصلاة اهم أداة عرفت حتّى الآن لبث الطمأنينة في النفوس,و بث الهدوء في الأعصاب"فالصّلاة لا يتوقّف فضلها عن ازالة او تخفيف المرض,بل يتعداه الى منح الاطمئنان القلبي,والرّاحة النّفسيّة"قال الله تعالى"ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب"

    انّ الصلاة وسيلة لغسل الذّنوب و التّطهّر منها,و ذريعة الى مغفرة الله ,لانّ الصّلاة-كيف ما كانت-تدعو الانسان الى التّوبة و اصلاح الماضي,ولذلك فإننا نقرأ في حديث عن النّبي الأكرم(ص)"انّ مثل الصّلاة كمثل النّهر الجاري كلّ ما صلّى كفرت ما بينهما من الذّنوب"وعلى هذا فانّ الجراح الّتي تخلّفها الذّنوب في روح الانسان,وتكون غشاوة على قلبه,تلتئم بضماد الصلاة و ينجلي بها صدأ القلوب.

      انّ الصلوات سد أمام الذّنوب المقبلة,لأنّ الصّلاة تقوّي روح الايمان في الانسان,وتربّي شجيرة التّقوى في قلب الانسان"اتل ما اوحي اليك من الكتاب و أقم الصّلاة انّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون"

     انّ الصّلاة تحطّم الانانيّة و الكبر,لأنّ الانسان في كل يوم و ليلة يصلّي سبعة عشر ركعة,وفي كلّ ركعة يضع جبهته على التّراب تواضعًا لله,ويرى نفسه ذرّة صغيرة أمام عظمة الخالق بل يرى نفسه صغيراً بالنسبة الى ما لا نهاية له,ولأمير المؤمنين(ع) كلام معروف"فرض الله الايمان تطهيراً من الشّرك,و الصّلاة تنزيهًا عن الكبر"

     انّ الصّلاة تعطي القيمة و الرّوح لسائر اعمال الانسان,لأنّ الصّلاة توقظ في الانسان روح الاخلاص,فهي مجموعة من النيّة الخالصة و الكلام الطّاهر وتكرارها في اليوم واللّيلة ينثر في روح الانسان بذور الأعمال الصّالحة و يقوّي فيه روح الاخلاص,ومن وصايا الامام علي أمير المؤمنين(ع)"الله الله في صلاتكم فإنّها عمود دينكم"

 

       انّ علّة الصّلاة أنّها اقرار بالرّبوبيّة لله عزّ و جل,وخلع الأنداد,وقيام بين يدي الجبّار جل جلاله بالذّل و المسكنة و الخضوع و الاعتراف,والطّلب للإقالة من سالف الذّنوب,ووضع الوجه على الأرض كل يوم اعظامًا لله عزّ و جل,و أن يكون ذاكراً غير ناس ولا بطر,و يكون خاشعًا متذللاً,راغبًا طالبًا للزّيادة في الدّين و الدّنيا مع ما فيه من الايجاب و المداومة على ذكر الله عزّ وجل بالّليل و النّهار,لئلا ينسى العبد سيّده و مديره و خالقه فيبطر و يطغى,و يكون في ذكره لربّه و قيامه بين يديه زاجراً له عن المعاصي و مانعًا له عن انواع الفساد.والحمد لله ربّ العالمين.  

                                      الاسم:نور عدنان الموسوي 

ثانوية المهدي ع بعلبك

الثلاثاء, 08 آذار/مارس 2016 12:40

كتابات الطالبة فاطمة العوطة

كتبه

مناجاة المنتظر(عج)

من دمع شوقي استقيتُ مدادي الثّائر ...

من طيّات الانتظار اختلستُ وريقاتي الخجلى...

من همسات العاشقين أخذتُ معين الطّهر...

لأدرز حروف العشق على أعتاب هواك...

رجوتُ النّسيم أن ممالقةً منك... فروح إمامي لا ينقصها عذاب...

أيّها المطر القدسيّ اغسل ما بروحي من ذنوب... فهي معذَّبة المهديّ...

 

أيّتها الشّمس، بخّريها إلى اللّانهاية حيث لا بشر ولا شجر ولا هشيم...

هل لي بنظرة منك سيّدي؟ هل لي أن أتنوّر بسحنة معشوقي الخالد سناها، أما آن لي أن أُشفى من علّة الانتظار...

أناجيك، أما حان الظّهور؟ روحي قد سئمت البقاء، فأيّ بقاء ذا الّذي ينعم بالي، ويُريح فكري، ويقطع شرودي دونك؟

 

أنتظر كلّ جمعةٍ ذاك الصّوت الرّبّانيّ الّذي ينادي في غياهيب الدّنيا، أن حيّ على الفلاح، أنتظره... ليحيا قلبي بعد طول سباتٍ، بعد طول سفر في عالم الأموات...

 

ودِدتُ لو أنّ رموشي مكنسة في جامع جمكران... وددتُ لو أنّ نفسي تتبعثر بين حروف

ندبتك كلّ ليلة...

يا عزيز فاطمة، هاك يوسف ردّ قميصه للبشارة، فأعاد نظر أبيه... ولكن أين أنا منك لتُعيد

لي نفسي المنسيّة؟! 

دعوني…حيث الأضاحي

 

أسدل اللّيل أستاره,فاتّخذته جملاً و مضيت إلى هناك, حيث البطاح المظلمة و الأودية الموحشة .تُرى أين غادر الخلاّن و الأحبّة؟تجيبني الرّياح بدويًّ مرعب مخيف و كأنّها لبوة ضروس فقدت شبلها للتّو.أمشي غير آبهة بغضب الطّبيعة الهوجاء.أرفع بطرفي نحو العلاء فإذا بالسّماء السّوداء تلامس تلك الأرض الجرداء..أذهب بنظري إلى البعيد حيث الجبال تتجلجل بعباءة سوداء قاتمة تقشعرّ لها الأبدان.كلّ هذا و أنا أمشي,تأخذني قدماي إلى هناك حيث الأضاحي مستلقية تتوسّد الرّمال بكلّ هدوء و سكينة..أرى شيئاً يلمع من بعيد,أقترب رويداً رويداً فتتسمّر عيناي..رحماك إلهي!إنّه نحر الطّفل الرّضيع يستأنس بوجود أمّه الرّباب بقربه الّتي تقسم عليه أن يستفيق و لكن هيهات…شموع تبهر له الأبصار, تحيط بجسدٍ يعتمر عمامة الإمام الحسن الخضراء,صلوات وتكبيرات من كلّ حدبٍ و صوب و ملائكة تصعد و تنزل,في أيديها وعاء,إقتربت من دون وجل,فإذا هي تزفّ العريس و تحنّي له كفّيه الشّريفين..أتركه مع أمّه رملة الّتي تحتفي به..أسرع الخطى اﷲ اﷲ…فلقة قمر في ليلة تمامه مقطّعاً إرباً إرباً..عنده أمّه ليلى تلملم أشلاءه المقطّعة على الرّمضاء..أتوجّه نحو نهر الفرات:بطلٌ في ريعان الشّباب,و النّور يفور من وجهه كينبوعٍ جيّاش.. أين كفوفك سيّدي؟ولكن هيهات ما من مجيب...يتراءى لي من البعيد سوادة تدنو شيئاً فشيئاً.ترى من هو هذا الشّيخ الجليل الّذي يحبو على جسدٍ أ تخن بالجراحات يناجي ربّه بشفاهٍ يبست من شدّة العطش...نسوةٌ جليلات إتّشحن بالسّواد ينتحبن و يبكين,يهدّىء من روعهنّ ذلك الجليل الّذي يمسح التّراب و الدّم عن ذلك الجسد الطّاهر...تتقرّح عيناي,ينحني ظهري,يتجمّد الدّم في عروقي,يشيب شعر رأسي من هول ما رأيت...أستلّ بيرقاً كي أسند عليه طولي و يعلو صراخي:اﷲ أكبر اﷲ أكبر!فإذ بالعائلة مجتمعة حولي,تترقرق الدّموع في المآقي . يريد الجميع معرفة ما الّذي حصل معي..فأرمقهم بنظرة لومٍ و عتاب و أتمتم بكلمات لم أستحضرها قائلة:

دعوني هناك حيث الأضاحي000

إنعام محمّد السّعيد

في :11\2\2006

 

 

الخميس, 04 شباط/فبراير 2016 08:25

قصص مهداة للمجاهدين والشهداء

كتبه

                                      ♥قافلة العشق♥

 

   تختصرنا الأيّام...و تشقّ بنا عباب الماضي،لتحضر على أوداج الذّكرى كلمةً كلّما رسمت،

 

عزف القلب معزوفة الدّمع المتكسّر على أوتار اللّوعة,مرسلاً صداه كناي حزين، يحاكي غديراً

 

مهجوراً..في زمن يسكن فينا و نحن عنه بعيدون...

 

نتنشّق هواءه عندما يحاصرنا اختناق الحاضر...

 

قبلة جمال في عالم الجمال...و بسمة رجاء على شفاه الأجيال...

 

و حكمة تذاع..بُصمت من على قمم التّاريخ،أصداؤها تتمايل،تنفجر،لتكون صورةً لمعانيها ومعنى

 

أعمالها المجيدة ،صورة ارتسمت بين سطور الزّمن، أعجوبة قدر ..تجلّت على زبد الآفاق.

 

قبضة حياة غاصت في الأفكار،و زحفت على السّواعد،و تلألأت بين أوتار الرّوح..فكان

 

استشهاد، و كانت تضحيات..لحماية ابنة فاطمة عشقاً لها،و وفاءً لقسم لا و لن تسبى الغريبة

 

مرّتين...

 

فهنيئًا لهم ما حقّقوا،فالشّهداء هم القلب و العين،على الأهداب استراحوا ، فاسمعوا أمواجهم تتكسّر

 

على رمال شطآنهم ، و تتعانق أهدابهم،فيعفّون عن الحوريّات المرفرفة بأجنحه النّور... 

 

غرّدوا عصافير على غصن تنقط منه حبيبات المطر العالقة عليه,ثم ما لبثوا أن نفضوا ريشهم

 

وطاروا فاردين أجنحتهم ليستشعروا الحرّيّة والدّفء بعد ليلٍ بارد...وراحوايغرّدون أغنية اليوم

 

الجديدة.

 

    كان الثّالث عشر من شُباط...

 

"جواد غريب" على أعتاب المنزل..

 

يريد توديع حبيبة القلب...

 

مشت إليه بخطوات متثاقلة..محاولةً إخفاء دموعها..

 

رمقها رمقة حبٍ و قال: " ربما أقتل ، أو أُأسر ، أو أجرح؟"

 

قالت:"ما هذه إلّا عقيدتنا،و ما هذا إلّا نهجنا،فافرش دمك بساطًا أحمر مخمليّا تمهيدًا لظهور

 

المهديّ (عج).."

 

وهمست بصمت :"من أجلي كن بخير"؛

 

ابتسم ابتسامة باردةً،ومضى...

 

مضى..و في قلبه شوقان،

 

شوق لأُمّه و حبيبة القلب،و شوق للحسين(ع)

 

رحل و (يا عبّاس)عصبة على جبينه..

 

و يداه  على  سلاحه يحمي بهما ابنة الكرّار،

 

آملًا بأنّ الطريق التي سيسلكها نحو أرض الشّام  ستكون طريقًا نحو الجنة.. نحو الخلود.

 

    كان عصر نهار الجمعة؛

 

و ايلول يلملم ما تبقي من أيّام الصّيف؛

 

والسّنونوات الباحثة دوماً عن الدّفء تهاجر نحو الشّمس..

 

يقال أنّ لأيلول سكونًا لا يعرفه أيّ شهر في السّنة؛

 

رغم ما يحمله في طقسه من حرّ آب، إلّا أنّ لمحة الحزن لا تفارق سماءَه؛

 

وتبقى الشّمس فيه للرّحيل في أيّ لحظة خلف لون رماديّ يعانق لمسات السّواد؛

 

لكنّ صوت القذائف والرّصاص وتحليق الطّائرات المروحيّة مزّقت هذا السّكون عصر ذالك

 

اليوم في ضواحي القصير..

 

   

 

 

 

 

 

 

إذ إنّ مواجهات عنيفة كانت تدور بين مجموعات من رجال المقاومة الإسلاميّة ،وقوّة تكفيريّة

 

متقدّمة،لعلّها جبهة  النّصرة، ضمن نطاق (جوسي )كانت متّجهة نحو قرية (الغسّانيّة) لضرب

 

أهداف مدنيّة..

 

وفي التفاصيل أنّه عند السّاعة الخامسة والدّقيقة الخامسة والأربعين؛

 

كمنت مجموعة “لواء أبو الفضل العبّاس " للقوة التكفيريّة المتقدّمة..

 

كما قامت مجموعة الشّهيدين "محمد جعفر داغر" و "خليل نصر الله" بعمليّة التفاف وتطويق

 

مكان الاشتباك،ولدى استقدام العدوّ لتعزيزات إضافيّة عند السّاعة السّادسة  والدّقيقة الأربعين،

 

قامت مجموعة الشّهيد "محمّد حيدر الفيتروني"  بمهاجمتها،و قد ألحقت أضرارًا فادحةً في

 

جيوش العدوّ..

 

     كان "يوسف" ،جواد غريب،عنصرًا من المجموعة المؤلّفة من "مهدي",

 

"ذوالفقار"،"عليّ"،و"هادي"،بقيادة "الحاجّ  حسن"،و لكن هذه المرّة،وجه جديد دخل

 

المجموعة،الأخ "رضا".. وقد كان دور هذه المجموعة مساعدة الأخوة الّذين وقعوا في الكمين...

 

      كان الشّباب متحمّسين للهجوم،متعطّشين لدعس الدّواعش،فاستأذنوا" الحاجّ حسن " للهجوم،

 

فما كان جوابه إلّا:"يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا و اتّقوا الله لعلّكم تفلحون".

 

و فيما الشّباب منتظرون،أتى الأمر بالتّدخّل،و  الاشتباك مع قوة الدّعم التّكفيريّة التي تدخّلت

 

لمساندة الجنود الذين وقعوا في الكمين. 

 

     أعطى الحاجّ "حسن" أوامره الى “هادي” "ذو الفقار" و"علي” بالالتفاف على القوة

 

ومهاجمتها من جهة ، فيما "الحاجّ حسن "و "مهدي "يتابعان العمليّة،أمّا "جواد غريب"

 

و "رضا", فيهاجمان من الجهة الأخرى الغربيّة..  

 

وكان بصر “الحجّ حسن” يتابعهما حتّى لمحهما يتشابكان وجها لوجه مع جنود العدوّ وعلى

 

مسافة لا تتجاوز المتر الواحد..

 

   فكأنّي بمهدي يصف المنظر:

 

"الخيل غاضبةٌ على أرسانها،و البيض غاضبةٌ على الأجفان،صلّ الحديد يفوق كلّ زمانٍ،

و الموت من قدّامهم وورائهم،و الهول كلّ ثنيّةٍ و مكان،أنّى التفتّ رأيت رأسًا طائرًا لداعش أو النّصرة مهجًا مطعونةً بسنان...يمشي الرّدى في إثر كلّ قذيفةٍ،فكأنّما تقتاده بعنان،فالجوّ ممّا فاض من أرواحهم،لا تستبين نجومه عينان،و النّهر ممّا سال في مهجاتهم،يجري على أرضٍ حمراء الأديم كأنّها خضيب بَنان..."

 

أمّا "هادي" فراح يطلق الرّصاص من سلاحه متقدمًا نحو التّكفيريّين وهو يصرخ:

 

 "لو أستطيع كتبت بالنّيران                    فلقد عييت بكم وعيّ بياني

ولكدت أستحيي القريض و أتّقي             أن يستريب يراعتي وجناني

أمسى يعاصيني لمّا جشّمته                    فيكم وكنت وكان طوع بناني

يشكو إليّ وأشتكي إعراضكم                 الله في عانٍ يلوذ بعان".

 

وكأن روحه تتمنّى مفارقة جسده شوقاً للقاء أحبّائه الشّهداء الّذين سبقوه إلى حيث رضوان الله

 

تعالى..

 

    لحظات وخفت الصّوت تدريجيًّا، وقد وضع هادي يده على خاصرته اليسرى بعدما أصيب

 

بطلقة ناريّة،ثم أصيب بشظيّة أخرى في رقبته وهوى إلى الأرض .. فانغرست أصابعه بين

 

التّراب ..

 

:"وهذا يا أرض الشّام دمي .. فاجعلِ ترابك كفني ".

 

وأغمض عينيه، وعرجت روحه مسرعة نحو السماء..

 

أمّا عليّ فكان ينادي :

"أنا من أنا؟

أنا لست إلّا جعفريًّا جرحته يد الزّمان..

أنا من أنا؟

أنا لست إلّا صابرًا رغم المآسي و المحن..

أنا من أنا؟

أنا لست إلّا طالبًا، شرف اللّقاء بالحجّة ابن الحسن(عج).."

 

     ثم ما لبث ان لحق به "هادي" بعد أن فتكا بجيوش العدوّ، و ألحقا بها خسائر فادحة..

 

فيما كان "رضا" و "جواد غريب" يتابعان المواجهة و هما يردّدان بنفس واحد :(تزول الجبال و لا تزل،عضّ على ناجزك،أعر لله جمجمتك،اغرس في الأرض قدمك،إرمِ ببصرك أقصى القوم،و اعلم أنّ النّصر من عند الله سبحانه..)

 

     لكنّهما حالما فقدا الاتصال بالمجموعة الأولى،وبدآ الانسحاب تدريجيّا لأنّ ذخيرتهما بدأت

 

تنفذ،حتّى سقط “رضا" جريحًا على الأرض،فحمله “جواد غريب” وتابع انسحابه واختبآ في

 

مغارةٍ قريبةٍ من ساحة المعركة،و جيوش العدوّ تبحث عنهما..

 

بقيا ثلاثة أيّام بلياليها حبيسيّ المغارة،و "جواد غريب" يحاول التّخفيف عن "رضا" الّذي كانت

 

جروحه بليغة.

 

وفي اليوم الثّالث،قال "جواد غريب" لرضا :

 

"ما هذه الرّائحة؟؟والله ما شممتُ بحياتي أجمل منها"؛فتبسّم الأخير  وقال:"إنّها رائحة الشّهيد،رائحة الجنّة الّتي وعدني بها ربّي،يا يوسف.. دقائقي في هذه الحياة الدّنيا باتت معدودة،أستحلفك بالزّهراء(ع)،أما أوصلت هذه الرّسالة إلى أمّي،و سأسأل الله بكرامة الزّهراء(ع) أن يحقق لك حلمك و يلحقك بركبنا" .

 

و تصاعدت كلمات لبيك يا زينب مع زفرات روحه،مثقلةً كاهل "جواد غريب" الّذي لم يكن

 

قادرًا،بسبب إصابته بكتفه،على حمل جثمان رضا الطّاهر...فدفنه داخل المغاره...

 

عمل على تصليح الجهاز الذي معه ليعاود التّنسيق مع المجموعة الأولى الّتي كانت تبحث عنهما،

 

لم يستطع,ترك المغارة بعد أن تأكّد من أنّ قوّات العدوّ قد يئست من التّفتيش عنهما، و بعد سيرٍ

 

طويل،إلتقى بمجموعةٍ من الحزب ساعدته؛فتمّ نقله فورًا إلى المشفى حيث تلقّى العلاج المناسب..

 

   لكنّ يوسف لم ينس الأمانة ،فقَبْلَ ذهابه قصد منزل أهل "رضا" الواقع في البقاع،تحديدًا في

 

بعلبكّ، لزفّ نبأ الاستشهاد..لكنه فوجئ بصورة كبيرة للشّهيد, قد عفا عنها الزّمن, معلّقة على

 

بوّابة الدار و مكتوب عليها :<بأمان الله يا شهيد الله>.

 

دخل الدّار حيث "أمّ رضا" و أُخته جالستين في الحديقة,سلّم و باشر بالكلام:

 

-أنا "يوسف" صديق "رضا" النّبيل,أزفّ نبأ الاستشهاد,فالعبّاس سيكون الكفيل

 

قاطعته قائلةً:

 

-         ما لك تتلاعب بمشاعري و أعصابي؟؟ إنّ رضا مستشهد من حرب تموز.

 

-         أوليس الّذي بالصّورة؟

 

-         بلى,

 

- يا أمة الله,أقسم بضلع الزّهراء ( ع) أنّه كان بصحبتي,و قد دفنته داخل المغارة,و هاك هذه

 

الرّساله أمانه كان قد أوصاني بإيصالها لك.

 

- أرجوك بنيّ,لقد مضى سبع سنوات على الفراق,فشاب ابن بنتي و شاب بنوه,و حرقة ضناي

 

في الفؤاد كما هي,لا تزد على قلبي و تحدّثني بالمستحيل..

 

هنا,تدخّلت البنت قائلة:

 

- يا أخ,هل لي بالرّسالة؟فانا أعرف خطّ أخي جيّدًا.

 

- تفضّلي.                                                                       

 

باسم العليّ الأعلى،

غاليتي..

منذ افترقنا،لم أذق وسَنا          للهِ ما صنع الفراق بنا!

أمّاه لم  أنسَ قولك الّذي          ملأ نفسي أسىً وجوانحي شجنا

:ماذا جنينا  كي  تفارقنا؟         أمللتنا و سئمت صحبتنا؟

سأجيبك بلسان معتذرٍ             لم تجن أنت ولا مللتُ أنا

لكن   رأيت  الماء  منطلقًا           ريًّا فإن هو لم يسر أجنا                                              

 

و السّيف إن طال الثّواء به        يصدأ و يصبح حدّه خشنًا

لو كان يألف بلبل    غردٌ           قفصًا،أحبّ مقاومٌ هذي الدّنى

كره الورى   طول المقام بها       فاستنبط العجلات والسّفنا

مضينا  و  الأحبّةَ   بقافلةٍ          قافلة العشق  أماه أغرتنا

قف، يا قطار، على ربوعهم         إنّ الأحبّة، يا قطار .. هنا

هذي منازلهم  تهشّ   بنا         أخطأت.. بل هذي منازلنا

ما حللنا   بأرضٍ   عربيّة          إلّا و صارت لكلّنا وطنا

استشهدت   فداءً    للبنان          لكنّ أرض الشّام شذىً وسنى   

وطنٌ    و أهلٌ   لائذون   بنا       أفنخذل الأهل و الوطنا؟

فلسطين إنّا قادمون  فابشري     و أبشري إسرائيل بالفنا..

                                                                              ابنك المجاهد... ♥

 

    و لسان حال الأم :خذ إلى لحد رفاتي,نلتقي عند الممات,قرّب الله وفاتي,بعدك ضاعت حياتي..

        أسدل اللّيل ستاره,بالدّجى تاه المسير, و ذئاب الرّيح تعوي , و المدى صمت كبير...

 

أبت الشّهادة إلّا أن يناله سهمها,فكان الثّرى مثواه , و الجنّة مأواه ,و هاهو ضريح "يوسف"

 

اليوم مزار توّج ب((هنا يرقد الجواد الغريب))...أجل, لقد مرّت عليه القافلة .

 

                                                                         المدرسة :ثانويّة الإمام المهديّ(عج)   بعلبك  

 

                                                                         الصّفّ :الأوّل ثانويّ

 

                                                                        المعلّمة المشرفة :أميره حمزه

 

                                                                    *اقتباس من الشّاعر إيليّا أبي ماضي

       

                                                       ملاحظة:<هذه الرّواية مستوحات من قصة واقعيّة>

                                                                       # بقلم :سجى يزبك


   

الثلاثاء, 15 آذار/مارس 2016 09:26

قررت الرحيل

كتبه

             قرّر  قرر الرّحيل، حزم الأمتعة، ودّع من تقف جنب الباب باكية، وذهب...

    ألقى نظرته الأخيرة، عبرة الوداع، ليرمي وراءه 18 سنة قضاها في ذلك المنزل الدّافئ,

قال لها كلمة العتاب على دموعها ورجائها بأن يبقى، نعم... بأن يبقى، علّ حياتها تعود لها,

وليس لمن ينظر بنظرة الشّماتة والنّصر، ليس لمن ينتظر ظلمة ليل، وعبرة حزن، ولحن موت,

 ليس لمن يهوى العروج بها إلى السّماء، أو إلى ما تحت الثّرى، ليس للأسود الواقف خلف

الباب، يعشق الدّمعة، ولحن الرّثاء، ليس لك يا فناء...، قرّر السّفر إلى أمريكا تاركاً أمّه في

 القرية ,ليكمل دراسته هناك، ويعيش في بلاد الحضارة على حدّ قوله...

_" أو قرّرت الرّحيل يا نور عينيّ أمّك؟ أو آثرت الهجران يا روح الرّوح الصّامتة؟ ارحم حالي

 يا ولدي... ارحم فؤادي يا كبدي..."

_" لن أضيّع شبابي هنا، في هذا القبر، سأذهب إلى أمريكا، بلد الحضارة والرّقيّ، سأذهب

لأرى الدّنيا، ولن أبقى أرى الموت هنا "

_" أو تعتبر البيت الّذي نشأت فيه وكبرت حتّى صرت شابّا يحاكي القمر، قبراً؟؟"

_" حاشا للقبر أن يشبّه بالجدران التي تتصارع مع العفن، فيغلبها ويأكلها ويميتها، حاشا للقبر

 أن يكون مثل الجرذان الّتي تسرح وتمرح لتصبح آمرة في البيت وناهية!!"

_"ماذا تريد؟؟ قل لي ماذا تريد؟؟ أتريد أن نذهب إلى المدينة ونجلس على أرصفتها نتوسّل

للمارّة بقرش يسدّ جوعنا؟؟"

_"لم يقل لي أحد يوما بأن الجوع في المدينة يختلف عن جوع القرية، متى شعرنا بالشّبع في

هذا القبر، متى شعرنا بالرّاحة هنا، متى لم نغف على حدو دموعنا من الوجع والعجز والجوع؟؟

صبرت هذه السّنين هنا فقط لأبلغ السّنّ القانونيّ الّذي يخوّلني الذّهاب والسّفر، وإذا كنت

تستحقّين الشّكر منّي، ذلك فقط لتوسّلك لجارتنا الّتي أعطتك كتب ابنها الّذي يكبرني بسنة

واحدة، لأتعلّم، فقط لهذا السّبب لا غير..."

_"ويلٌ للّتي حملتك تسعة أشهر، ويلٌ للّتي ربّتك وتعبت لتكبر وتصبح رجلاً، ويل للّتي تسمع

هذا الكلام من نور عينيها ونبض قلبها!!"

 

_"لقد حاولت جاهداً أن أقنعك بالذّهاب معي إلى بلاد الحضارة والرّقيّ؟"

_"لن أترك بلدي لكي أذهب إلى بلد يشتهر بغلاء المعيشة وقذارة المجتمع ونسيان التّقاليد

والدّين...، سوف أبقى هنا حتّى أموت فأدفن إلى جنب والدك البطل الشّهيد..."

_"إذاً ابقي هنا، فأنا ذاهب لإكمال علمي والتّخصّص بأرقى الجامعات، وتفوّقي سيسمح لي

بالتخصّص والحصول على السّكن مجّاناً...".

وذهب، ذهب تاركاً أمّه الّتي ترجّته للبقاء معها، وقالت له  بأنّها ستعمل خادمةً لتؤمّن له المعيشة

الّتي يحلم بها، وأن يصبح طبيباً متفوّقاً يلامس النّجوم بعلمه وبراعته، لكنّه رفض، وأبى البقاء

معها، تركها، تركها إلى الأبد كما قال لها، وذهب.......

   "أتجيد اللّغة الإنكليزية للذّهاب إلى أمريكا؟؟" سأل الشّرطيّ الّذي يعطي التّذاكر والهويّات وإذن الصّعود إلى الطّائرة الشّابّ.

 _ لا أعتقد بأنّ تعلّمك إيّاها في المدرسة سيفي بالغرض، فأنت ذاهب إلى أمريكا، أو تعلم ما هي أمريكا يا بني؟؟ فأنت ستخالط شعبها وستندمج في مجتمعها!!

_ لا تقلق يا سيدي، فأنا شابٌّ بالرّغم من صغر سنّي، إلّا أنّني ذكيّ وأستطيع تعلّم أيّ شيء

بسرعة.

_ آمل ذلك، ولكن احذر أن تتعلّم أشياء أخرى، فأمريكا بالرّغم من حضارة مجتمعها ورقيّها إلّا

أنّها بلد خطير جدّا على شاب لم ير الحياة بعد...

_ أنا رجل وأستطيع أن أتجاوز كلّ المشكلات...

قالها الشّابّ غير عارف قصد الشّرطيّ، ولم يطل التّفكير بكلام ما قاله الرّجل حتّى سمع مكبّر

الصّوت ينده باسم الطّائرة المتوجّهة إلى أمريكا، ويعطي الإنذار لراكبيها بالصّعود إليها لأنّها

ستحلّق في السّماء بعد عشر دقائق... 

uالوصول إلى أمريكا...  

خرج الشّابّ من المطار وحطّت قدمه أوّل بقعة أمريكيّة خارجه حيث يكثر المتسوّلون وحاملو

الإعلانات والمحاولون استدراج كلّ من لا يعرف البلاد أو من يزورها لأوّل مرّة في حياته,

فيدّعون بأنّهم مندوبون من شركات تريد عاملين بأجر مغرٍ مع سكن ومنحة تعلّم و....

 _"أنا يا سيّدي من شركة إنتاج تلفزيونيّ، تحتاج لعاملين شبّان في أوّل العمر في هذا المجال,

أو حتّى من لا يتقن شيئا، فنحن نتبنّى إكسابه مهارات العمل، هذا ليس كلّ شيء يا سيّدي، بل

بأجر مغر جدّا مع إمكانيّة الزّيادة إذا كان العامل ذكيًّا وبارعًا، أضف إلى هذا كلّه فالعامل عندنا

يحصل على منزل في وسط العاصمة، ليس أيّ منزل، بل من أجمل البيوت وأروعها، وبما أنّ

شروط شركتنا بأن يكون العامل شابّا صغيرًا، فنحن نتكفّل بتعليمه في أحسن الجامعات، وفي

الاختصاص الّذي يريده...، ما رأيك يا سيّدي؟؟ أليس هذا عرضاً مغرياً، ونحن لن ننساك من

السّهرات والحفلات الرّائعة..."

_"في الحقيقة أنا لا أعرف شيئا هنا، وأنا جئت إلى أمريكا ولا أعرف عنها شيئا سوى اسمها

 وحضارتها...و..و...

_"لا تقلق يا عزيزي، فنحن سنعرّفك على أمريكا، وما هي...,لا تقلق. .."

وسرعان ما أمسك المندوب-كما يقول- كتف الشّابّ محاولا استدراجه، فأخذه إلى سيّارة فخمة

وصعدا إليها، مدّعياً بأنّهما متّجهان إلى الشّركة لتوقيع عقد العمل، وطبعاً، أعلن الشّابّ القرويّ

موافقته التّامّة على كلّ شروط العمل كونه كان يحلم بأن يحصل على هكذا عرض، غير عارف

بأنّ أمريكا هي بلاد المادّة، ولا شيء من دون مقابل...

_ "الآن سنذهب إلى فندق قريب من هنا، لكي تزيل عنك تعب السّفر، ولكي نتمّ نحن إجراءات

 المنزل الّذي ستسكن فيه". قال ذلك المندوب.

_"لكنّي أفضّل الذّهاب معك للتعرّف على المنزل وطبيعة العمل، فأنا لست متعباً". قال الشّابّ.

_ " لا تقلق يا عزيزي، ستتعرّف على كلّ ما تريد لاحقاً، أرح جسدك من عناء السّفر، ولا تنس

أن تريح فكرك من القلق..."

قال الرّجل المندوب محاولاً شدّ الشّابّ إلى السّرير، ومن ثمّ خرج من الغرفة مودّعاً الشّاب

بابتسامة أراحته، تاركاً إيّاه مستلقياً على السّرير بفرح، يقول لنفسه :" لماذا أتعب نفسي وروحي

بالقلق، فأنا رجلٌ ذكي ولا أحد يستطيع أن يخدعني، أصلاً لماذا التّفكير بنيّة سيّئة، فالشّركة

رائعة ونحن اتّفقنا على شروط العمل، وكلّ ما حدث لي وما سيحدث رائع لا محال..."

وغفا الشّابّ وهو يحلم بغدٍ أجمل، ومنّى نفسه بالمستقبل الرّائع....

 

 صباح اليوم التّالي. ..

_"هيّا يا عزيزي استيقظ، صباح النّشاط، أفق من نومك وهلمّ للعمل واستكشاف أروع بلاد على الإطلاق...". قال ذلك المندوب.

_" صباح الخير يا سيّدي، انتظرني قليلاً لكي أستحمّ وأبدّل ملابسي، ومن ثمّ نخرج من الفندق لنعمل ونستكشف المدينة تحت سماء أمريكا الحبيبة..."قال الشّابّ فرحاً.

وبعد نصف ساعةٍ تقريبا توجّه الرّجلان إلى الشّركة في سيّارة احتوت كلّ روائع الفخامة

والجمال...وفي السّيّارة دار حديث بين الرّجلين ألهى الشّابّ عن النّظر إلى الطّريق والعمران,

حتّى دخلت السّيّارة في نفق مظلم...

في أرض الوطن...

أمّا والدة الشّابّ فقد غرقت بدموعها وحسرتها على ولدها وفلذة كبدها، وندبت ابنها بقلقها

وخوفها عليه، فزوجها قبل أن يتوفّى بحادث سير أدخل الصّدمة إلى الأمّ الّتي أبت أن تنادي

زوجها إلّا بالشّهيد البطل، كان قد حدّث زوجته عن بلاد كثيرة، ومنها أمريكا، وقال لها بأنّ

أمريكا هي أخطر بلد على الإطلاق، فالفساد والكفر متعشّشٌ في مجتمعها...

وأشفقت إحدى الجارات على الأمّ، حتى باتت تهتمّ بها دائماً وتساعدها وتجالسها محاولة أن

تطمئنها على حال ولدها...  

uفي أمريكا...

_" ماذا تريد منّي يا هذا، لماذا تربطني بهذا الحبل، أخخخخ....، لماذا تضربني، أين الشّركة

وعقد العمل يا كاذب، سأدّعي عليك في المحكمة أيّها المخادع... اتركني، ابتعد عنّي...!!!".

صرخ الشّابّ محاولاً أن يخلّص نفسه...

_"ههههههه....أوكنت تظنّ يا أحمق بأنّك وقّعت على عقد عمل، ومع شركة إنتاج فنّيّ...,حقّاً

إنّك أبله...,أيّ شركة هذه، وأيّ عقد عمل، اعلم يا فتى بأنّ قبرك سيحفر هنا...,بعد أن أقطّعك

إرباً إرباً، وآخذ كلّ أعضائك وأبيعها، فأحصل على المال...ههههه.."

_" ماذا؟؟؟ لماذا تريد أن تفعل بي هذا، لماذا أنا؟؟ فأنا شابّ فقير تركت أمّي الحزينة لأعمل هنا

وأكمل دراستي، وأصبح طبيباً ماهراً وأعود إلى بلدي لبنان وأعتذر من أمّي، وأمارس مهنتي

بشرف..."

_" هيييي، أتريد أن تقصّ عليّ سيرة حياتك...,اخرس,فأنا لا أملك حقّ التّحدّث معك، سيأتي

رئيس العصابة ويكلّمك، طبعاً إذا كان مزاجه يسمح له بالتّحدّث مع شيء سخيفٍ مثلك...."

وبعد أربع ساعات....,دخل رئيس العصابة إلى المكان الّذي يتواجد فيه الشّابّ,وقال له : "قم يا

هذا...,لن أقطّعك وأبيع أعضاءك، بل هناك من سيشتريك بسعرٍ مغرٍ جدّاً..."

_"ومن سيشتري شاباً فقيراً لا نفع له فيه ولا ضرّ؟؟"قال الشّابّ.

_"  الموساد..."

_" ماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ماذا قلت؟؟؟؟؟؟وما حاجة الموساد بي؟؟؟"

_"اكشف قناعك يا مخرّب، ألست تنتمي إلى ما يسمّى بحزب الله؟؟؟، قل لقياداتك بأنّهم نجحوا

في خطّتهم، ولكن سنغيّر نثر الحكاية، ولن توصل ما أخذته من معلومات إلى حزبك....فكّه يا

هذا، هيّا...فبعد بيعه إلى الموساد لا حاجة لنا بإكمال احتيالنا وخداعنا على شبّانٍ مثلك..، أو

ليس مثلك، فنحن لم نخدعك، بل أنت من خدعتنا..."

_" ماذا تقووول؟؟؟؟، فلا علم لي بالّذي تتكلّم عنه!!!!"

وفجأة، رنّ هاتف الرّئيس، والمتكلّم كان....

"أوقف صفقة البيع، وإلاّ سننعي رئيساً في الموساد بانفجار يستهدف بيته..."

_" ماذا تقووول، ومن أنت، وكيف ستقدر أن تحدث انفجاراً في وسط العاصمة؟؟"

_"لا تطل الكلام، وأظنّك عرفت من يكلّمك، وإن كنت تشكّ بقدراتنا يا هذا، فسل التّاريخ ورعد وخيبر..."

9.....وانقطع الاتّصال....

_" كلّمني يا هذا، من تكووون؟؟؟ وما هي هويّتك..؟؟؟" ومن ثمّ رمى الرّئيس الهاتف من يديه

وبدت عليه علامات الخوف والغضب...

لنكشف القناع عمّا حدث، ونروي الحقيقة كاملة :

    كان ذلك الشّابّ القرويّ أو علي، مقاوماً شجاعاً، منتمياً إلى مدرسة كربلاء، فوقعت عليه

مهمّة خطيرة سُميّت ب"سيف المهديّ"(ع)، وهذه المهمّة كانت تتطلّب من صاحبها علي السّفر

 إلى أمريكا والتّظاهر بأنّه شابٌّ بريء لا يعلم أن هذه الشّركة هي إحدى فروع الموساد وأنّها

بالإضافة إلى ذلك، هي عصابة بيع أعضاءٍ بشريّة، وكانت المهمّة تقتضي من علي أن يوقّع

على عقد العمل المزيّف، وذلك للذّهاب إلى مبنى الشّركة المزيّف أيضاً، وهو في الحقيقة مبنى

للموساد، لأخذ معلومات يحتاجها المجاهدون، ومن ثمّ الذّهاب مع أصحاب الشّركة المزيّفة إلى

مكان الّذي تُؤخذ فيه الأعضاء البشريّة لمعرفة مكانه كونه مركزًا للموساد....

    أمّا علي فقد أتقن دوره كاملاً وبنجاح تامّ لولا عميل في المقاومة أخبر الموساد بأنّ علي ليس

شابّاً من هؤلاء الّذين تُباع أعضاءهم، بل هو مقاوم أوكلت إليه مهمّة إذا نجحت سوف تقتضي

على أهمّ فروع الموساد.

    وبالعودة إلى الوراء قليلاً، وتحديداً في الفندق، فعلي كان يتصرّف ببراءة تامّة، حتّى عندما بقي

لوحده في الغرفة، وذلك، للتّوضيح، لعلم علي بوجود كاميرات مراقبة في الغرفة يراقب من

خلالها خبراء حركات الجسد، للتّأكد بأنّ الشّابّ لا يزال يصدّق ويؤمن بحقيقة الشّركة وعرض

 العمل...

    أمّا تصرّف علي مع أمّه، ذلك فقط ليجعلها تكرهه نوعاً ما، مع علمه بأنّ الأمّ لا تكره فلذة

كبدها، فعلي وبحسب اعتقاده، بأنّه ربّما سيعود شهيداً في حال فشل الخطّة، فلن تفتقده كثيراً، فلا

أحد يفتقد شيئاً يكرهه....

    وبالعودة إلى الحكاية، فعلي قد عاد إلى موطنه لبنان، وذلك بعد نجاح الخطّة والحصول على

المعلومات المطلوبة، وعاد علي إلى قريته واعتذر من أمّه الّتي روت لها الجارة الموكلة من

قبل المقاومة الاهتمام بها بطولة علي وشجاعته، وانتقل علي وأمّه إلى المدينة للتخصّص بإحدى

جامعاتها اختصاص الطّبّ بعد الحصول على مساعداتٍ مادّيّةٍ من قبل المقاومة...   

                                                                                                             uالنّهايةu

وأخيراً، لا بدّ من شكر حماة الدّيار، أصحاب السّلاح، مجاهدي السّاح، جنود المهديّ(ع)، فشكراً لكم ولتضحياتكم....

زينب جبق

 العاشر

ثانوية المهدي (ع) بعلبك

 

الثلاثاء, 15 آذار/مارس 2016 09:26

الصلاة قرة عين المؤمن

كتبه

أهميّة الصّلاة و وقتها

    خلق الله تعالى الانسان و شرع له سبيل الكمال, و أضاء له الصّراط بمصابيح لذكره, و أجلى مصداق لمصابيح الذّكر هو اقامة الصّلاة فقد قال الله تعالى ( و أقم الصّلاة لذكري). فهي الذّكر الأكمل الرافع للغفلة المحقّق للتوجّه للّه تعالى. و هي مرتبطة بحضور القلب و الرّوح و الفكر. فهي ارتباط قلبي صادق بين الانسان و ربّه بين المخلوق و الخالق. فهي سلوى للقلوب المضطربة و المتعبة و المغمومة. و أساس لصفاء الباطن و جلاء الرّوح. و في أيامنا هذه, لا يهتم الجميع بالصلاة بل يتركها استخفافا بها و لا يعطونها حقّها. فعن الامام الصادق (ع) ( تارك الصّلاة لا يتركها الّا استخفافا بها و اذا وقع الاستخفاف وقع الكفر). من هنا لا بدّ أن نسّلط الضوء حول اهميّة الصّلاة من حيث آثارها و دورها, و من حيث فضيلة آدائها بوقتها.

    الصّلاة لا يقلّ شأنها عن كونها  خير العمل و لا تهبط من هذه المرتبة بل تزداد أهمّيّة عن كونها تضفي الدّعم الرّوحي و المعنوي بجميع ألوان الجهاد و الايثار و تقحّم المخاطر. لذا يجب فهم أهميّة الصّلاة بشكل صحيح, فعن الامام علي(ع) (انّ الصّلاة للّه ان قبلت قبل ما سواها و ان ردّت ردّ ما سواها). فان وضعت الصّلاة في موضعها المناسب في المجتمع الاسلامي فسوف تفتح كلّ الجهود المادّيّة و المعنويّة البنّاءة طريقها نحو الاهداف و المبادئ و توصل المجتمع الى المحطّة المثاليّة المطلوبة في الاسلام. و اذا كانت هناك غفلة عن أهمّيّة الصّلاة, و جرى عدم الاكتراث لها, فسوف لن يطوى هذا الطّريق بشكل صحيح, ولن تترك الجهود  و المساعي تأثيرها اللّازم في الايصال الى القمّة الّتي رسمها الاسلام للمجتمع الانساني. لذا هي من اوجب الفرائض لرفع رابة الاسلام, فهي الطّريق لتحقيق العدالة الاجتماعيّة و بلوغ الرّفاهية العامة و الازدهارّ المادي و التمتع بالمعرفة و العلم و الخبرة و الاستقلال. فالصلاة عمود الدين قول يردد دائمًا من غير معرفة معانيه, فالصّلاة أساس وجدت لتحقيق الاهداف الكبرى للنظام الاسلامي.

     و تتجلى كذلك أهمّيتها من خلال معرفة آثارها. فهي التي تثبت في روح الانسان دواعي الايثار و التضحيات و التوكل و التعبد. وهي منفذ لاستنشاق  نسيم الحرّية و وسيلة لتطهير قلوبنا من الدنس و الغفلة. و تجعل الانسان يتمتع بالعزيمة و التوكل و الاخلاص و الصبر. فيتمكن الانسان بمعونة هذا الرصيد الرّوحي من تحمل الاعباء الثقيلة و الوقوف في وجه العقبات و المختلفة و لا سيما أمواج الفساد و الدمار. اضافة الى ذلك فهي وسيلة للسّير نحو السّعادة, و لها أثر في تحقيق الطمأنينة و السّكينة في القلوب, و بث روح التّوكّل و الاخلاص و اشاعة جو زاخر بالقدسية, و بما يؤديالى تنزيه النّفس عن ارتكاب المعاصي. بالاضافة فهي تحيي روح العبودية و الخضوع أمام ساحة الباري, و تزيل غبار النسيان عن حقيقة كون الله تعالى المحبوب الحقيقي. واضافة الى ذلك فهي تبعد عنه التّزلزل و الاضطراب. عن الامام علي(ع) (لو يعلم المصلي ما يخشاه من جلال اللّه ما سرّه ان يرفع رأسه من السجود). و عن الامام الباقر(ع) ( اذا استقبل المصلي القبلة استقبل الرحمن بوجهه لا اله غيره) و عن الامام الصادق (ع) ( اذا قام المصلي الى الصّلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء الى الارض و حفت به الملائكة و نادى ملك لو يعلم المصلي ما له في الصلاة ما انفتل)

    اضافة الى ذلك, تظهر أهميتها في الوقاية من المفاسد فهي تدعو المصلي بشكل طبيعي الى الابتعاد عن الذنوب. فقد قال الّله تعالى ( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ) و هي دعوة لاخراج الافراد من المستنقعات. وعن الامام الصّادق (ع)  ( من أحبّ أن يعلم أنّ صلاته قبلت ام لم تقبل فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء و المنكر  فبقدر ما منعته قبلت منه).

     و بقدر ما لها من أهمّية يجب الحرص على آدائها بوقتها. فان أفضل سبيل لاصلاح الصلاة هو المحافظة على فضيلتها من خلال الاتيان بها في اول الوقت. فعن أمير المؤمنين (ع) (صلِّ الصّلاة لوقتها المؤقت لها و لا تعجل وقتها لفراغ و لا تؤخّرها عن وقتها لاشتغال و اعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك).والإنسان إن التزم بادائها في وقتها فإنّه سيبلغ تلك المنزلة التي يجب أن يبلغها. وكان المرحوم السيد علي القاضي يقول"إن أتى شخص بالصلاة في أول وقتها و لم يبلغ تلك المقامات الرفيعة فليلعنى ".وعن بعض زوجات الرسول (ص):كان رسول الله يحدّثنا و نحدّثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا و لم نعرفه، شغلاً بالله سبحانه عن كلّ شيىء. وعن أمير المؤمنين (ع): إذا حضر وقت الصلاة يتململ و يتزلزل و يتلوّن فيقال له مالك يا أمير المؤمنين جاء وقت أمانة عرضها الله على السماوات و الأرض..." و إضافة إلى ذلك عن الإمام الصادق (ع):خصلتان من كأننا فيه و إلاّ فأعزب ثمّ أعزب ثمّ أعزب قيل و ما هما قال الصلاة في مواقيتها و المحافظة عليها و المساواة."من هنا نستوحي أهميّة الصلاة و فضل آدائها بوقتها.

و أخيراً، إن الصلاة باب للتقرب إلى الله تعالى فحين تؤدي بانتباه و حضور قلب لا يقتصر تأثيرها على ما تغرسه في قلب المصلّي و روحه، إنما يتّسع مداها ليملأ الأجواء المحيطة به نوراً و شذىً يجري أريجة إلى كلَ آفاق الحياة. و كلّما ازداد المصلي خشوعاً، تبددت من حوله ظلمات الأنانية و الحقاد و الاستبداد، و سطح نور الفلاح على جبين الحياة ز فهي طريق يطلق الإنسان من اسوار الظلمات و و يحرّره من أغلال الشهوات و الغضب، و تسمو به نحو الحقيقة و الخير الأشمل، و تؤدي إلى نبع كلّ الخيرات.

غدير خنجر ثانوية المهدي(ع) بعلبك

 

 

 

             

 

الخميس, 04 شباط/فبراير 2016 09:01

قصص من وحي الشهادة والجهاد

كتبه

"إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون...فسبحان الّذي بيده ملكوت كلّ شيءٍ وإليه ترجعون...صدق الله العلي العظيم..." بذا ختمتِ السّورة فسُرّ الخامدونْ، أغلقتِ المصحف على صفحاته المبلّلة بدمع الجفونْ، ثمّ قبّلته وراحتْ تغسلُ القبرين بالماء وعبراتِ قلبها المحزون، واقفةً تُطهّر الأرجاء بالبخور والشوقِ المكنون، ما إنْ التقتْ عيناها بعينيِّ بعلِها الحنونْ، حتّى سألَته: "أَرَحَلوا؟" بصوتٍ أنهكته الشّجونْ، أجابَها وفؤادهُ بها مفتونْ: "ونحنُ راحلونْ".

             -أمرتاحون أم خائفون معذّبون؟

   ردّ ماسحاً دمع تلك العيون: "ما للشّهداء هذه الظّنون! إنّ أصحاب الجنّة اليوم في شُغلٍ فاكهون". فابتسمت وراحت بين القبرين تدور، في صدرها شوقٌ يفور، وفي عقلها فكرٌ يثور، يؤلمها التّفكير في كلّ الأمور...رغم مضيّ السّنوات بَقيَ ذاك الشّعور: شوقٌ للاثنين و دعاءٌ على الأعداء بالثبور. حتّى ذلك اليوم بقيت ذكراهم تُبكِيها، تندب أمّها، تشتاق لأخيها، فلا صدر أمٍّ يحضنها، ولا كتف أخٍّ يحميها، وحده وجود زوجها وإخوتها يحييها، وبقاء أبيها يعزّيها، فأنشدت ولوعة الفراق تدميها:

مالي كلما أحببت امرءًا عني يغيبْ       وكأن نبض قلبي يبعدُ الحبيبْ

ربّاهُ ذكراهم تعذّبني فإليك أنيبْ       هلّا شفيتَ  شوقي بحتفٍ قريبْ

آنها مسح حسن دمع جفنيها، قائلاً بعد تقبيل يديها:

هي الدّنيا أمرها عجيبْ             يومٌ جميلٌ آخر عصيبْ

ولكِ في قلبي مكانٌ رحيبْ        فداكِ روحي دعي النّحيبْ

لنا إمامٌ علينا رقيبْ  له            الشّوق يدمينا لطولِ المغيبْ

فصبرًا حبيبتي علّنا نُصيبْ       مع المهديّ نصرًا قريبْ

أو يكون لنا بالشّهادة نَصيبْ      سوياًّ لنداء الآل نُجيبْ

ثم غادرا جنّة الشّهداء، بعدما ودّعت أمّها "زهراء"، ولثمت قبر أخيها "علي"، طالبةً من روحهما الدّعاء...عند وصولهما إلى المنزل، سمعت صوت أبيها: "زينب، زينب..."،  دخلا فسألته لِمَ يناديها، نظرها مبتسمًا والفرحة في عينيه يخفيها، بعد أن سلّم عليها وأهّل فيها، أجاب: "كنت أبحث عن الهاتف لأزفّ إليكم النّبأ"

-خيرٌ إن شاء الله، ما النّبأ؟

-لقد وُقّعت الأوراق، وسأسافر بعون الله إلى الجمهوريّة الإيرانيّة لإجراء العمليّة الجراحيّة...

    أما في نفس زينب فكان للخبر وقعٌ آخر، أهو أملٌ عاد يحاكيها أم خوفٌ بات يسكنها؟! سألته وسمات الدّهشة تحويها: "حقًّا؟! متى؟!"

-الأسبوع المُقبل بإذن الله سيصحبني الشّباب من مؤسّسة الجرحى

أردف حسن: "وبإذنه ستُعافى زتعودنا بالفرحى".

   ما هي إلاّ لحظات حتّى دخل "عبّاس" و"فاطمة" بالثّياب المدرسيّة، وحضنا أختهما بشوقٍ وحنيّة، فبعد رحيل أمّهم وأخيهم، صارت الأمّ الرّؤوم والصّديقة الوفيّة...

    وسرعان ما سألها عبّاس: "أعلمتما بالعمليّة؟"، وفيما ابتسم حسن مجيبًا، ومضت كلماته لزينب ذكرى أمّها "زهراء" آن وضعت "فاطمة"، كانت إحدى ليالي الشّتاء، عندما أسرتهم عاصفةٌ ثلجيّةٌ بيضاء، غياب الشّمس عن مدينتها غيّب الهناء، فرسول السّلام جلب لهم الأيّام السّوداء... أثناء تلك العاصفة كان وضع أمّها قد ساء، وتعسّر عليهم  الجلاء، كم تمنّت آنها لو يحملها الهواء، فتصل إلى المشفى وتتماثل للشّفاء... لا زال صدى صراخها في أذنيها، وألم عذابها أمام عينيها، صوت وجع والدتها ملأ الأرجاء، وزينب –ابنة السّنوات السبّع- ما بيدها خلاصٌ سوى البكاء. غبار السّنوات الثّلاث عشرة يرقص على جرحها فلا تذكر إلاّ الدّماء...

    أمّا في غرفة العمليات فبدأت نهاية المأساة، على سرير الولادة مُثّلت مسرحيّة الفناء، حيث قدّمت الأمّ روحها لابنتها فداء، فذبلت بسمة الفرح بالولادة بدمعة الحزن على الوفاة، وكانت وصيّتها الأخيرة أن تُدفن في جنة الشّهداء، وكان لها ما تشاء، لعلّه شوقٌ سبقها، أو حدسٌ أخبرها بأن بكرها سيُدفن هناك،

 

وتكون الجنّة روضةً للقاء...

    ومع تلك الذّكرى، صفعت زينب عبرةٌ دافئة فأيقظتها وأعادتها إلى واقعها. كان الخوف يأكل خلاياها  والقلق يهزّ حناياها ... كونها ممرّضة تعلم مسبقاً بأن لا أمل يُرجى من العمليّة، وجهود الأطبّة ستكون هباءً منثورًا. فالجرح الّذي وسمته به حرب تمّوز الماضية، لم تدمله السّنوات السّبع السّابقة، بل دمست آلامه بين أعضائه الواهنة، من بعد الإصابة بات يعدّ أياّمه الباقية، أمّا آمال الشّفاء فجمّها واهية...

     بعد أسبوع، اجتمعت العائلة مجدّداً للوداع، كان "أبو عليٍّ" يعيش وزينب حالة الضّياع، وليُخبرها بخوالج فؤاده قال: "أعلم أنّ بلاد فارس ستكون لي مصرع، بيد أنّ لي في شفاعة الرّضا وزيارته مطمع، كما أعلم أنّ بالكم بالفراق مُروّع، لأجل راحتي يا أحبّـتي لا تدَعوا أعينكم تدمع ..." ختم مبتسماً.

وأحشاؤه عليهم تتقطّع، ثمّ رحل...رحل بعد أن نال كلّ واحدٍ منهم نصيبه من الوداع، وعزف الفراق على عظام صدورهم للحزن إيقاع، أخيرًا كان إلى "غريب طوس" الإقلاع... حيث جمال الدّنيا يصبح فناء، وملقى الغريب جنة البقاء.

     ودارت دوامة الأياّم، لتبدأ الحرب مع اللّئام، فما كان لعيون رجال "زينب(ع)" أن تنام، لذا شدّوا الرّحال، وقطعوا  الأميال، وزحفاً انطلقوا صوب الشّام، ليحاموا عن بضعة فاطمة وعقيلة الإمام، فاحتار "فخر" زينب بين بعلها وأخيها، كيف لا وكلاهما حماة المقام؟! أما فكرها فاختار الانفصام: نصفه في إيران والآخر في الشّام. 

     وفي إحدى اللّيالي لاح لها طيف منام، استيقظت لتسرح رواسب أحلامها في الظّلام، وتتأكّد أكان حُلماً أم مجرّد أوهام، فيما كان الأنام نيام أيقظت بسملتها أختها فاطمة الّتي بادرت بالسّؤال :"خيرٌ إن  شاء الله؟! ما رؤياكِ يا أختاه؟!"

-        رأيتها والّذي اسمه الرحمان والسّلام، بضعة الرّسول أقبلت من فوق الرّكام، حدثتني بأجمل الكلام، قالت لي: "إن عاد عبّاسك قبّلي كفيّ هذا الهُمام وزلّلي كلّ مصائبك بذكر الآل الكرام"، وإذ ما بكيتُ بين يديها، مسحتْ عبراتي براية قبّة المقام... ثم أيقظني صوت الآذان...

-        جعله الله خير الأحلام، فلنصلِّ وندعو لأخي المقدام ...

 بعد تأدية عمود الإسلام، وكالعادة معاهدة الإمامعج، انطلقت "زينب" إلى الدّوام. وفيما كانت تتطلّع على أخبار حرب الشّام، استحضرت كربلاء آن نُصبت عليها الأعلام، يومها غصبوا "فدك" واليوم يريدون المقام، اليوم يحرقون "سوريا" ويومها أحرقوا الخيام، فأين من أسلحتهم السيّوف، بل أين السّهام؟! وقد جئناهم في عشق الآل أيتام، يومها خانتنا العشائر والسِّوام، واليوم بحزبنا نبخرهم كما الغمام، فلا تعصى على الأُسد بعض الأغنام، سيرون بأمّ أعينهم عمق الهيام، اليوم تبيدهم بدايات ثورة الإمامعج ...

 ما إن وصلت إلى "قسم العناية"، حتى باشرت بالإطمئنان على المرضى، تاركةً الحظّ الأوفى من اهتمامها للجرحى، وعندما لدغت عقارب السّاعة الخانة الثّالثة، وصلتها رسالةٌ قصيرة من فاطمة، تقول فيها: "أسرعي بالعودة إلى الدّار، فقد عاد الزّوّار..." ومع إبصار أحرفها الجامدة، جمد الدّم في عروق القارئة، تتساءل عن الزّوار: زوّار زينب أم جريح الرّضا في إيران؟! وعبثاً حاولت معاودة الإتّصال، إذ انقطع الإرسال. كان دوامها قد شارف على الانتهاء، فبدّلت مريلتها البيضاء.وفيما كانت توقّع أوراق المغادرة، أُحضر جريحان، ومن إنشغالها بالرّسالة – دون الالتفات إليهما - غادرت المكان ...

وكانت المفاجأة على أعتاب الدّار، استقبلتها "فاطمة" ودمع عينيها يهطل كالأمطار على وجنتين حمراوين كالمرجان. حضنتها "زينب" ورفات الوجل فيها تلتهب كنار: "أختاه بوحي بالمكتوم من الأسرار، أطلعيني الأخبار، ما حال الزّوار ؟"

-درب الصّبر يا زينب مرّار، فاذكري "يتيمة محمدٍ" علها تُزيح عنك الأوزار, غاب يا أختي من كان بالأمس الرّكن و الدّار، روحه عرجت إلى السّماء و هامته هامدةً تأتينا من المطار ...

لكلمات "فاطمة" أحسّت "زينب" بالدّوار، متأمّلةً لو تتغيّر نتيجة الحوار، ما لبثت أن ومضت في عينيها الأنوار، و وقعت مغميّاً عليها فوق أوراق الأشجار ...لحظات و استعادت وعيها في حضن أختها   لتسمع عبارات التّرجيع و الاستغفار، تمنّت آنها لو يُحلّل الانتحار, فعلى ألم الفراق تُفضل الاحتضار . ها هي تقف مجدّدًا أمام عسف الأقدار، ترجو رحمة الباري مسلّمةً لقضاء القدّار. راحت تتساءل كيف تنام اللّيل و تقوم النّهار؟, قد رحل والدها و ثانيةً فاتها القطار,فإن سألتها ورود الدّار عن ساقيها بمَ تجيب الأزهار ؟ وكيف تُهدّئ روع يتيمةٍ نشب الحزن في قلبها أنيابه والأظفار؟ بل بمَ تجيب مقاومًا غادر ليمحو بصمة العار؟ "أبو عليٍّ" ورغم طول الإنتظار، استطاع اللّحاق بركب شهداء الانتصار. وكان أوّل من تذكّرته يتيمة المختار ع ": بضعة الرّسول رغم المعاناة أبت الإنهيار، وأنا اليوم أحاول الفرار ؟! هيهات ...حتّى آخر رمقٍ فيّ سأُكمل المشوار ..."قالت هذا مستجمعةً ما بقيَ من قواها، مُحاولةً الصمود والاستمرار ...

 

 سألتها "فاطمة" و تنهّدات البكاء تُكسّر صوتها ": أختي، كيف نخبر "عبّاس"؟، و متى تُشيّع الجنازة و نُعلم النّاس ؟ "

فأجابتها":إن حرارة رحيله حشرجةٌ تحبس هيام فؤادي, فصبرًا عليّ يا أنيسة أحزاني، أخاف أن يغدر بأخي العدوان، إن اعترى قلبه الأسى و الحنان، و عندما تصل جثّة أبي من إيران، نشيّعها و الأقارب  والجيران".

     و مع إشراقة اليوم التالي أزاحت ملكة البهاء بأصابعها الدّافئة بعضاً من ستائر السّماء الدّاكنة و ألقت بأشّعتها العسجديّة على غيومٍ متلبدّة فلوّنت أطرافها، أيلول عاد و ما من ارتحالٍ لصمته إلاّ عند الرّبيع، فالطّيور تركت له حيّزًا في السّماء ليستريح، و الأشجار أعرت أغصانها لتصافحه و الرّيح، وطيوره المهاجرة تؤكّد أنّ الرّحيل مكتوبٌ للجميع ... بالرّغم من أنّ اليوم عطلتها، فاجأ "زينب" اتّصالٌ من المشفى لمزاولة عملها، فأسرعت لتأدية واجبها, إذ اشتدّت المعركة و كَثُر جرحاها...

   -" آجرك الله على مجيئك يا "زينب", بالأمس أتانا جريحان كان وضعهما خَطِرًا، هلاّ اطمأنّيت عليهما؟" قالت لها زميلتها متابعةً عملها ... بينما كانت تنفّذ ما أُمليَ عليها، لفتها اسم "عبّاس" على باب أحدهما، هرعت إلى غرفته ليصدمها مقاومٌ مقطوع الكفين، مضمّد الرّأس، مُغمض العينين . عرفته...

 وكيف تجهل الحنونة أخاها ؟! إنّه هو حامي زينب، حبيب فاطمة. صرخت باسمه وهي صامتة، ووقفت دقائق أمامه واجمة ... ثم دنت منه ومقلتاها دامعتان، مقبّلةً جبينه قائلة ": بنفسي أنتِ مولاتي يا فاطمة، كيف أُنفّذ وصيّتكِ الآنفة؟ ولا كفوف أُقبّلها ولا أيدٍ ألثمها، ألا فانظري حال المقدام أمامي..."

        راحت "زينب" تنسج من الصّبر مناديل الدّمع، تشرب التّجلّد في كؤوس الأسى، وتعبّد بالحسرات دروب الرّحيل, باحثةً عن المرسى ... تُحمل الأياّم ما اعترى في نفسها، شاكرةً اللّه على المصاب الجليل, مُسلّمةً بأنها لم ترَ إلاّ الجميل. وكان اللّطف الإلهيّ عود "عبّاس" وإن كان جريح، وسلامة "حسن" بعد المحاماة عن أخت "الذّبيح".

     وأخذت "الرّوزنامة "تُقلّب صفحاتها، و تُغيّر تواريخ الأياّم و الأزمان، حتّى كان في بداية العام التّالي ما كان: إذ فُتحت الجبهة مجدّدًا مع العدوان، مع اللّعنة أبناء أبي سفيان، و ليُرَدّ عن الأهل جور السّفلة

والطّغيان، هبّ لإبادتهم شبابنا الشّجعان. فكيف نقف على الحياد والهلاك يهدّد لبنان ؟! أَنَهابُ موتاً

والسّلام كلّه في بياض الأكفان؟!

 الوجهة جليّة و"القصير" هي العنوان ... و كان "حسن" في طليعة الشّبّان, الهمّ وحده ردّ العدوان، فلا جبهة نصرةٍ تبقى ولا داعش ولا الجيش الجبان، كلهم سيعدمون برفّة جفنٍ لأبطالنا الفرسان ... فيسيطر رجال مقاومتنا على الميدان بنداء":لبّيك يا صاحب العصر و الزّمان".

     وهناك وقفت زينب تهزّ بصبرها الأركان، داعيّةً أن يتقبّل الكريم منها القربان. قد سلّمت الأمانات

وتسلّمت الأشجان، خاطبت قبور أحبّتها في جنة الرّضوان، و عيناها مع الدّمع ستنمهلان، قالت: "أقف على قبرك يا أبي، والذّكريات تمور في وجداني، هل تذكروني أم قد اعتراني دجى النّسيانِ ؟! أنا التي ثملت لياليّ من الأحزانِ، وتوقّف بعد رحيلكم زماني، فأضعت في هذه الدّنيا مكاني، داووا فؤادًا مكسورًا برؤياكم ينجبر، فعبراتي على فراقكم كالسّيل تنحدر، وفيّ بركان شوقٍ كلّ دقيقةٍ ينفجر..."

   في تلك اللّحظات استرعى انتباهها قبر أخيها "علي"، تذكّرت بسماته حين يلاعبها، ونظراته حين يحاكيها: "أخي، رحلت إلى الحرب ناسياً طريق الإياب، قتلك يهوديّ تموز يا خيرة الشّباب، و قد جئتك واقفةً أمام الأمواج العاتية لرياح الجفاء، فهل ستمخر سفينتك عباب هذا الفضاء؟ ما مضى لقاءٌ بلا فراق، خوفي أن يمضي فراقنا بلا لقاء..."

        أما حسن فكان يودّع جدران "مسجد الإمام عليع " و الأبواب . بعد أن صلّى ركعتين في المحراب، توضأت وجنتاه بدموع شوقٍ لسيّد الشّهداء، فكلّ ركنٍ في المسجد فيه عطر الدّماء . بالأمس كان حول "عبّاس الموسوي"يتجمّع الأتراب، منصتين بقلوبهم، مرتشفين بأعينهم كلمات الخطاب، و اليوم تراهم أعينًا تحرس جبالًا، ترعى الهضاب . يدنيهم للقائد توقٌ، أملٌ باللقاء ... قد ولد بين جدران الكعبة "أبو تراب",و السّيّد بارك ولادة أشباله في بيت الله، فكانت رصاصةٌ قضت على باقي الأحزاب, مثبتةً أنّ "حزب اللّه" للأبد هو الغلّاب.

    ثوان ٍو مزّق صفحات تفكيره نداءٌ باسمه الجهاديّ":تراب...زوجك بانتظارك". ما إن علم حتّى قبّل الأرجاء ببريق عينيه، مُلقياً على الرّفاق تحيّة أهل الجنّة، و أسرع لرؤية "زينب" التّي  كانت واقفةً  في حديقة المسجد كالزّهرة بعبائتها السّوداء، زهرةٌ في أيّار تفتّحت آن لامستها أشعّة ذكاء ... دنا منها فسمعها تتمتم بفاتحة الكتاب، عيناها على المقبرة تحدّث بصمتٍ الأحباب . و عندما أبصرته ابتسمت مسلّمةً بعينيها قبل الكلام, في تلك العينين كان "حسن" يفهم ما يعجز عنه بقيّة الأنام، يراها تلمع كالنّجوم وسط الظّلام، كيف لا و هي نفسه تشاطره الحياة و حتّى المرام...

   سألها ناظراً إلى بطنها ":كيف حال طفلنا الصّغير ؟" أجابت مبتسمة، و كأن مناها الوحيد أن تسمع ما استطاعت صوته الجميل، و كان لها ما تمنّت ":أتذكرين عندما زففت إليّ النّبأ ؟ كنّا هنا في احتفال ولادة الرّسول قبل سبعة أشهر، و قد نذرت الطّفل للمقام "

فضحكت ضحكةً خافتة قائلةً":أجل، أوأنسى واجبًا ؟.

-ما رأيكِ بتسمية المولود "محمّد"؟

-إن شاء الله يا أبا محمد ...

   ابتسم مطبقاً على شفتيه يروم وداعها، و تعصيه الكلمات في حضورها . سألته عيناها ساحبةً أحرفًا أخفاها، فقال ":يُذكر أنّ أمّ ياسر قبل شهادتهما، قالت للسّيّد":أنا حوريّتك يا سيّد في الدّنيا و الآخرة "

-و أنا حوريّتك يا تراب ...في الدّنيا و الآخرة .أ أتسمح لي أن أزور الجنّة في غيابك ؟

  مقبّلاً جبينها أجاب ":أخاف عليكِ أن تأتي وحدكِ,انتظري عودتي,وعدٌ لمقلتيك ما إن أصل حتّى نزورها سويًّا.."

     و مضى إلى الشّهادة، و مضت معه الأيّام، فكان في القصير ما لا يحمله لبّ عاقل، سيطر الشّباب على المداخل، و لم يبق من السّلفة السّفلة إلاّ القليل ليُقاتل .بيد أنّ مرور حربٍ دون شهداء كلامٌ باطل...فكلما ارتفعت وتيرة الحرب زاد الجرحى، و ارتفع شهداءٌ أفاضل .و"زينب" بقيت تزاول العمل رغم أنّها حامل، تسأل عيناها عن "حسن" كلّما وصل مُقاتل . تبكيه في عتمة اللّيل و نهارًا تناضل، تتصبّر بالغريبة و فداءً لعينيها تُكابر.كلما زُفّ شهيدٌ بدت كالورد الذّابل...

      و قبل أن تُطهّر الأرض بالكامل، جاءهم جريحٌ، في عينيه آلاف الرّسائل، أخرج من جعبته ورقةً طهرّها دمه السّائل، و سلّمها لزينب قائلاً أنّها من "تراب" . شمّت الرّسالة و قد غسل الدّم الّذي عليها دمع عينيها، ففيها عطر الجهاد و نسيم أرضٍ حُمل من كربلاء .قرأت بعد عبارات الحمد و الثّناء، و الحبّ و الشّوق للقاء :

   يوم الخميس الّذي يصادف بعد غد, سأحاول الاتّصال بكِ السّاعة السّادسة مساءً.حبيبتي أشهد بأنّك أدّيت جهادك في حسن التّبعّل و أحسنت، فادعِ لي أن يقبل الله جهادي.

       حملت أسفاري و جئتك متّكئًاً      أقدّم لكِ ما عبّرت عنه جراحي

       فاقرأي منّي أكان صوابًا أم خطأً     لعلّك تكونين متّكئي و سلاحي

       استعين به عند كلّ ضائقةٍ       مستبدلاً أياّم هزيمتي بناحي

       و كلمة حقٍّ تُقال في نهاية     لا حرمني الله منكِ يا حياتيب    

     فبعين بصيرتك أستبصر          و الصبر للقياكِ بات محرابي

               اعتني جيّدًا بنفسك، و بنفسي الّتي استودعتها فيكِ، محمّدنا...أحبّكِ  

                                                    تراب

      فجر الخميس استيقظ "كربلاء"صديق "حسن" على ترتيله لآيات القرآن، أنصت حتّى أنهى فسأله مبتسماً  ":أتصلّي قبل الآذان ؟"

-        ألا يحبّ الحبيب خلوة حبيبه؟!

-        أراك هائماً يا صديقي في هوى الخالق، أفلا تركت شيئاً للمخلوق ؟

ابتسم تراب مجيباً لسؤال صديق الحرب الجنوبيّ ":بلى..تركت الكثير,أسكنت الخالق حرم قلبي، و أعطيته لزوجٍ خلقها من نفسي ..."

-فليجرك الله من هؤلاء الأغبياء، إن سمعونا اقتلعوا قلبك لملاقاة الله...

    و بضحكةٍ علويّةٍ ختما حديثهما، و باشرا بمراقبة المكان، فهدوء اللّيلة الماضية يضعهم أمام خيارين :إمّا فرار المسلّحين أو تحضيرٌ للمعركة الأخيرة...تمركز الشّباب، كلٌ في موقعه ينتظر الأمر بالضّغظ على الزّناد.و عند سماع النّداء بتلبية مستأصل أهل التّضليل و الإلحاد، باشروا بتصفية أهل العناد.

     و قبيل السّاعة الخامسة تذكّر حسن وعده لزينب، فاغتم . كان المتوقّع أن يتوقّف إطلاق النّار قبل ساعة. أحسَّ "كربلاء " بانزعاج صاحبه، فزحف نحوه سائلًا  عمّا أهمّه . فما كان من الأوّل إلّا أن أخبره...قال كربلاء":لا عليك يا أخي، الآن نستأذن القائد المحوريّ و نعود إلى المركز آن يهدأ إطلاق النّار. لم يبقَ إلا خمسة ..." 

-        لا بأس، لن أترككم الآن، سنعود سويًّا بعد نصف ساعة بإذن الله..

بعد نصف ساعة، ساد الهدوء و غُلّف الفضاء بغبار القذائف، و لم يبقَ للتّكفيريّين سوى أثر الدّماء و الأشلاء، فحمل الشّباب جرحانا و الشّهداء. و بالتّكبيرات غادر الشّباب ... و بينما كانوا يهمّون بالمغادرة أبصر حسن قنّاصًا كالحيّة ملتفٌّ وراء عامودٍ على سطح إحدى البنايات...

  أمّا "زينب" فاستجدّ عملها و اضطرّت أن تبقى حتّى السّاعة . أوضاع الجرحى خطيرة و لن يتسنّى لها المغادرة قبل نصف ساعة . و عندما أنهت خرجت بثياب العمل، و استقلّت أوّل سيّارةٍ رأتها ...ما إن ترجلّت منها حتّى أسرعت دون الالتفات، فصدمت جانبها إحدى السّيّارات ...

      في تلك الأثناء، أطلق القنّاص رصاصته الغادرة لتخرق جمجمة "حسن" الّذي حاول جاهدًا ردّ الطّلقات عن أصدقائه، فكان درعًا لأجسادهم الطّاهرة و خوذةً لرؤوسهم التّقيّة ...وأمضت حياته أمام عينيه، و كان ثغرها المبتسم آخر ما أبصرته مقلتاه، فصرخ ":لبّيكِ... يا زينب " بملء شفتيه, و سقط مرتفعًا شهيدًا بعد أن أغمض النّجيع عينيه...

       إبّان ارتقاء روحه إلى السّماء, لعلّها التفتت إلى الوراء قائلة:

سألت روحي بعد طول عناء    كم أحببت في الكون من حوراء

أجابت و الرّوح تتنهّد فرحًا    هل للقلب متّسع لأكثر من ولاء؟

فرشت لها بين أجنحته وردًا      تفوّحت منه كلّ العنبر و الدّماء

جفّت عروقي و طعم بلسمها  سائحٌ  فاح عطره فوق كلّ الأرجاء

زينبٌ لكِ في القلب مرتبةٌ          لم يعتلها سواكِ من النّساء

لو كان السّبق لغيركِ لكنتِ أنت  خلاصة حبّي في الأرض و السّماء*

 و على السّرير في غرفة العمليّات، ابتسمت زينب و صرخ "محمّد" مستقبلًا آلام الحياة، و بقي أربعين يوماً تحت المراقبة حتّى تماثل للشّفاء، و ما لبثت ابتسامة اللّقاء إلا بضع ثوانٍ، قد أيقنت  زينب حينها أنه حان وقت الفراق، فاستودعت طفلها للدنيا تخلق له النّهار أماً و اللّيل أباً، تنهدت و امتثلت إلى الباري قائلة :"بحق ضلع الزّهراء لبيت لكِ الوفاء يا مولاتي يا زينب ".

 كانت هذه عبارة وداعها  و لسان حالها يجيب بعلها:

                         هات يدك و احملني إليكَ   فبعد الشّهادة يطيب اللّقاء

و أنا الملوعة قد رأيت كم  مزّقتني رياح الجفاء

فراشة قلبك  قد حلّقت  مسرعةً إليكَ تلبي النّداء

                    

"إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون...فسبحان الّذي بيده ملكوت كلّ شيءٍ و إليه ترجعون...صدق الله العلي العظيم..." بذا ختمتِ السّورة فسُرّ الخامدونْ، أغلقتِ المصحف على صفحاته المبلّلة بدمع الجفونْ، ثمّ قبّلته و راحتْ تغسلُ القبرين بالماء و عبراتِ قلبها المحزون، واقفةً تُطهّر  الأرجاء بالبخور و الشوقِ المكنون, ما إنْ التقتْ عيناها بعينيِّ بعلِها الحنونْ, حتّى سألَته ":أَرَحَلوا؟" بصوتٍ أنهكته الشّجونْ، أجابَها و فؤادهُ بها مفتونْ ":و نحنُ راحلونْ".

             -أمرتاحون أم خائفون معذّبون ؟

   ردّ ماسحاً دمع تلك العيون":ما للشّهداء هذه الظّنون !إنّ أصحاب الجنّة اليوم في شُغلٍ فاكهون ". فابتسمت و راحت بين القبرين تدور, في صدرها شوقٌ يفور, و في عقلها فكرٌ يثور, يؤلمها التّفكير في كلّ الأمور...رغم مضيّ السّنوات بَقيَ ذاك الشّعور : شوقٌ للاثنين و دعاءٌ على الأعداء بالثبور.حتّى ذلك اليوم بقيت ذكراهم تُبكِيها,تندب أمّها,تشتاق لأخيها، فلا صدر أمٍّ يحضنها، و لا كتف أخٍّ يحميها، وحده وجود زوجها و إخوتها يحييها,و بقاء أبيها يعزّيها,فأنشدت و لوعة الفراق تدميها":

مالي كلما أحببت امرءًا عني يغيبْ       و كأن نبض قلبي يبعدُ الحبيبْ

ربّاهُ ذكراهم تعذّبني فإليك أنيبْ       هلّا شفيتَ  شوقي بحتفٍ قريبْ

آنها مسح حسن دمع جفنيها، قائلاً بعد تقبيل يديها:

هي الدّنيا أمرها عجيبْ             يومٌ جميلٌ آخر عصيبْ

و لكِ في قلبي مكانٌ رحيبْ        فداكِ روحي دعي النّحيبْ

لنا إمامٌ علينا رقيبْ  له            الشّوق يدمينا لطولِ المغيبْ

فصبرًا حبيبتي علّنا نُصيبْ       مع المهديّ نصرًا قريبْ

أو يكون لنا بالشّهادة نَصيبْ      سوياًّ لنداء الآل نُجيبْ

ثم غادرا جنّة الشّهداء,بعدما ودّعت أمّها "زهراء",و لثمت قبر أخيها "علي"، طالبةً من روحهما الدّعاء...عند وصولهما إلى المنزل,سمعت صوت أبيها ":زينب,زينب..."، دخلا فسألته لِمَ يناديها، نظرها مبتسمًا و الفرحة في عينيه يخفيها، بعد أن سلّم عليها و أهّل فيها، أجاب ":كنت أبحث عن الهاتف لأزفّ إليكم النّبأ "

-خيرٌ إن شاء الله، ما النّبأ؟

-لقد وُقّعت الأوراق,و سأسافر بعون الله إلى الجمهوريّة الإيرانيّة لإجراء العمليّة الجراحيّة...

    أما في نفس زينب فكان للخبر وقعٌ آخر,أهو أملٌ عاد يحاكيها أم خوفٌ بات يسكنها ؟! سألته وسمات الدّهشة تحويها ":حقًّا؟! متى؟!"

-الأسبوع المُقبل بإذن الله سيصحبني الشّباب من مؤسّسة الجرحى

أردف حسن ":و بإذنه ستُعافى و تعودنا بالفرحى".

   ما هي إلاّ لحظات حتّى دخل "عبّاس"و "فاطمة" بالثّياب المدرسيّة,و حضنا أختهما بشوقٍ و حنيّة، فبعد رحيل أمّهم و أخيهم، صارت الأمّ الرّؤوم و الصّديقة الوفيّة...

    و سرعان ما سألها عبّاس":أعلمتما بالعمليّة؟"، و فيما ابتسم حسن مجيبًا,ومضت كلماته لزينب ذكرى أمّها "زهراء" آن وضعت "فاطمة",، كانت إحدى ليالي الشّتاء، عندما أسرتهم عاصفةٌ ثلجيّةٌ بيضاء,غياب الشّمس عن مدينتها غيّب الهناء، فرسول السّلام جلب لهم الأيّام السّوداء...أثناء تلك العاصفة كان وضع أمّها قد ساء، و تعسّر عليهم  الجلاء، كم تمنّت آنها لو يحملها الهواء، فتصل إلى المشفى و تتماثل للشّفاء ...لا زال صدى صراخها في أذنيها، و ألم عذابها أمام عينيها، صوت وجع والدتها ملأ الأرجاء، و زينب –ابنة السّنوات السبّع- ما بيدها خلاصٌ سوى البكاء.غبار السّنوات الثّلاث عشرة يرقص على جرحها فلا تذكر إلاّ الدّماء...

    أمّا في غرفة العمليات فبدأت نهاية المأساة، على سرير الولادة مُثّلت مسرحيّة الفناء,حيث قدّمت الأمّ روحها لابنتها فداء,فذبلت بسمة الفرح بالولادة بدمعة الحزن على الوفاة، و كانت وصيّتها الأخيرة أن تُدفن في جنة الشّهداء، و كان لها ما تشاء، لعلّه شوقٌ سبقها، أو حدسٌ أخبرها بأن بكرها سيُدفن هناك،

و تكون الجنّة روضةً للقاء...

    و مع تلك الذّكرى، صفعت زينب عبرةٌ دافئة فأيقظتها و أعادتها إلى واقعها.كان الخوف يأكل خلاياها  و القلق يهزّ حناياها ... كونها ممرّضة تعلم مسبقاً بأن لا أمل يُرجى من العمليّة, و جهود الأطبّة ستكون هباءً منثورًا . فالجرح الّذي وسمته به حرب تمّوز الماضية،  لم تدمله السّنوات السّبع السّابقة، بل دمست آلامه بين أعضائه الواهنة، من بعد الإصابة بات يعدّ أياّمه الباقية، أمّا آمال الشّفاء فجمّها واهية...

     بعد أسبوع، اجتمعت العائلة مجدّداً للوداع، كان "أبو عليٍّ" يعيش و زينب حالة الضّياع,و ليُخبرها بخوالج فؤاده قال ":أعلم أنّ بلاد فارس ستكون لي مصرع، بيد أنّ لي في شفاعة الرّضا و زيارته مطمع، كما أعلم أنّ بالكم بالفراق مُروّع، لأجل راحتي يا أحبّـتي لا تدَعوا أعينكم تدمع ..." ختم مبتسماً .

و أحشاؤه عليهم تتقطّع، ثمّ رحل...رحل بعد أن نال كلّ واحدٍ منهم نصيبه من الوداع, و عزف الفراق على عظام صدورهم للحزن إيقاع,أخيرًا كان إلى "غريب طوس" الإقلاع...حيث جمال الدّنيا يصبح فناء، و ملقى الغريب جنة البقاء.

     و دارت دوامة الأياّم، لتبدأ الحرب مع اللّئام، فما كان لعيون رجال "زينبع" أن تنام، لذا شدّوا الرّحال، و قطعوا  الأميال، و زحفاً انطلقوا صوب الشّام، ليحاموا عن بضعة فاطمة و عقيلة الإمام، فاحتار "فخر" زينب بين بعلها و أخيها,كيف لا و كلاهما حماة المقام ؟! أما فكرها فاختار الانفصام: نصفه في إيران و الآخر في الشّام .

     و في إحدى اللّيالي لاح لها طيف منام، استيقظت لتسرح رواسب أحلامها في الظّلام، و تتأكّد أكان حُلماً أم مجرّد أوهام، فيما كان الأنام نيام أيقظت بسملتها أختها فاطمة الّتي بادرت بالسّؤال ":خيرٌ إن  شاء الله ؟! ما رؤياكِ يا أختاه ؟!"

-        رأيتها و الّذي اسمه الرحمان و السّلام، بضعة الرّسول أقبلت من فوق الرّكام، حدثتني بأجمل الكلام,قالت لي":إن عاد عبّاسك قبّلي كفيّ هذا الهُمام و زلّلي كلّ مصائبك بذكر الآل الكرام"، و إذ ما بكيتُ بين يديها، مسحتْ عبراتي براية قبّة المقام...ثم أيقظني صوت الآذان...

-        جعله الله خير الأحلام، فلنصلِّ و ندعو لأخي المقدام ...

 بعد تأدية عمود الإسلام، و كالعادة معاهدة الإمامعج، انطلقت "زينب" إلى الدّوام . و فيما كانت تتطلّع على أخبار حرب الشّام, استحضرت كربلاء آن نُصبت عليها الأعلام، يومها غصبوا "فدك" و اليوم يريدون المقام، اليوم يحرقون "سوريا" و يومها أحرقوا الخيام، فأين من أسلحتهم السيّوف، بل أين السّهام؟! وقد جئناهم في عشق الآل أيتام ، يومها خانتنا العشائر و السِّوام، و اليوم بحزبنا نبخرهم كما الغمام, فلا تعصى على الأُسد بعض الأغنام، سيرون بأمّ أعينهم عمق الهيام، اليوم تبيدهم بدايات ثورة الإمامعج ...

 ما إن وصلت  إلى "قسم العناية"، حتى باشرت بالإطمئنان على المرضى, تاركةً الحظّ الأوفى من اهتمامها للجرحى، و عندما لدغت عقارب السّاعة الخانة الثّالثة، وصلتها رسالةٌ قصيرة من فاطمة، تقول فيها":أسرعي بالعودة إلى الدّار,فقد عاد الزّوّار..." و مع إبصار أحرفها الجامدة، جمد الدّم في عروق القارئة، تتساءل عن الزّوار : زوّار زينب أم جريح الرّضا في إيران ؟! و عبثاً حاولت معاودة الإتّصال،  إذ انقطع الإرسال . كان دوامها قد شارف على الانتهاء، فبدّلت مريلتها البيضاء.و فيما كانت توقّع أوراق المغادرة، أُحضر جريحان، و من إنشغالها بالرّسالة – دون الالتفات إليهما - غادرت المكان ...

و كانت المفاجأة على أعتاب الدّار، استقبلتها "فاطمة" و دمع عينيها يهطل كالأمطار على وجنتين حمراوين كالمرجان .حضنتها "زينب" و رفات الوجل فيها تلتهب كنار ":أختاه بوحي بالمكتوم من الأسرار، أطلعيني الأخبار، ما حال الزّوار ؟"

-درب الصّبر يا زينب مرّار، فاذكري "يتيمة محمدٍ" علها تُزيح عنك الأوزار, غاب يا أختي من كان بالأمس الرّكن و الدّار، روحه عرجت إلى السّماء و هامته هامدةً تأتينا من المطار ...

لكلمات "فاطمة" أحسّت "زينب" بالدّوار، متأمّلةً لو تتغيّر نتيجة الحوار، ما لبثت أن ومضت في عينيها الأنوار، و وقعت مغميّاً عليها فوق أوراق الأشجار ...لحظات و استعادت وعيها في حضن أختها   لتسمع عبارات التّرجيع و الاستغفار، تمنّت آنها لو يُحلّل الانتحار, فعلى ألم الفراق تُفضل الاحتضار . ها هي تقف مجدّدًا أمام عسف الأقدار، ترجو رحمة الباري مسلّمةً لقضاء القدّار. راحت تتساءل كيف تنام اللّيل و تقوم النّهار ؟, قد رحل والدها و ثانيةً فاتها القطار,فإن سألتها ورود الدّار عن ساقيها بمَ تجيب الأزهار ؟ و كيف تُهدّئ روع يتيمةٍ نشب الحزن في قلبها أنيابه و الأظفار ؟ بل بمَ تجيب مقاومًا غادر ليمحو بصمة العار ؟ "أبو عليٍّ" و رغم طول الإنتظار, استطاع اللّحاق بركب شهداء الانتصار. و كان أوّل من تذكّرته يتيمة المختار ع ": بضعة الرّسول رغم المعاناة أبت الإنهيار، و أنا اليوم أحاول الفرار ؟! هيهات ...حتّى آخر رمقٍ فيّ سأُكمل المشوار ..."قالت هذا مستجمعةً ما بقيَ من قواها، مُحاولةً الصمود والاستمرار ...

 

 سألتها "فاطمة" و تنهّدات البكاء تُكسّر صوتها ":أختي، كيف نخبر "عبّاس"؟، و متى تُشيّع الجنازة و نُعلم النّاس ؟ "

فأجابتها":إن حرارة رحيله حشرجةٌ تحبس هيام فؤادي, فصبرًا عليّ يا أنيسة أحزاني، أخاف أن يغدر بأخي العدوان، إن اعترى قلبه الأسى و الحنان، و عندما تصل جثّة أبي من إيران، نشيّعها و الأقارب  

و الجيران".

     و مع إشراقة اليوم التالي أزاحت ملكة البهاء بأصابعها الدّافئة  بعضاً من ستائر السّماء الدّاكنة و ألقت بأشّعتها العسجديّة على غيومٍ متلبدّة فلوّنت أطرافها، أيلول عاد و ما من ارتحالٍ لصمته إلاّ عند الرّبيع, فالطّيور تركت له حيّزًا في السّماء ليستريح، و الأشجار أعرت أغصانها لتصافحه و الرّيح، وطيوره المهاجرة تؤكّد أنّ الرّحيل مكتوبٌ للجميع ... بالرّغم من أنّ اليوم عطلتها، فاجأ "زينب" اتّصالٌ من المشفى لمزاولة عملها، فأسرعت لتأدية واجبها, إذ اشتدّت المعركة و كَثُر جرحاها...

   -" آجرك الله على مجيئك يا "زينب", بالأمس أتانا جريحان كان وضعهما خَطِرًا، هلاّ اطمأنّيت عليهما؟" قالت لها زميلتها متابعةً عملها ... بينما كانت تنفّذ ما أُمليَ عليها، لفتها اسم "عبّاس" على باب أحدهما، هرعت إلى غرفته ليصدمها مقاومٌ مقطوع الكفين، مضمّد الرّأس، مُغمض العينين . عرفته...

 و كيف تجهل الحنونة أخاها ؟! إنّه هو حامي زينب، حبيب فاطمة . صرخت باسمه و هي صامتة، ووقفت دقائق أمامه واجمة ... ثم دنت منه و مقلتاها دامعتان، مقبّلةً جبينه قائلة ":بنفسي أنتِ مولاتي يا فاطمة، كيف أُنفّذ وصيّتكِ الآنفة؟ و لا كفوف أُقبّلها و لا أيدٍ ألثمها, ألا فانظري حال المقدام أمامي..."

        راحت "زينب" تنسج من الصّبر مناديل الدّمع، تشرب التّجلّد في كؤوس الأسى، و تعبّد بالحسرات دروب الرّحيل, باحثةً عن المرسى ... تُحمل الأياّم ما اعترى في نفسها,شاكرةً اللّه على المصاب الجليل,مُسلّمةً بأنها لم ترَ إلاّ الجميل.و كان اللّطف الإلهيّ عود"عبّاس" و إن كان جريح، و سلامة "حسن" بعد المحاماة عن أخت "الذّبيح".

     وأخذت "الرّوزنامة "تُقلّب صفحاتها، و تُغيّر تواريخ الأياّم و الأزمان، حتّى كان في بداية العام التّالي ما كان:إذ فُتحت الجبهة مجدّدًا مع العدوان,مع اللّعنة أبناء أبي سفيان، و ليُرَدّ عن الأهل جور السّفلة

و الطّغيان، هبّ لإبادتهم شبابنا الشّجعان . فكيف نقف على الحياد و الهلاك يهدّد لبنان ؟! أَنَهابُ موتاً

و السّلام كلّه في بياض الأكفان ؟!

 الوجهة جليّة و "القصير" هي العنوان ... و كان "حسن" في طليعة الشّبّان, الهمّ وحده ردّ العدوان، فلا جبهة نصرةٍ تبقى و لا داعش و لا الجيش الجبان، كلهم سيعدمون برفّة جفنٍ لأبطالنا الفرسان ... فيسيطر رجال مقاومتنا على الميدان بنداء":لبّيك يا صاحب العصر و الزّمان".

     وهناك وقفت زينب تهزّ بصبرها الأركان، داعيّةً أن يتقبّل الكريم منها القربان . قد سلّمت الأمانات

و تسلّمت الأشجان، خاطبت قبور أحبّتها في جنة الرّضوان، و عيناها مع الدّمع ستنمهلان، قالت ":أقف على قبرك يا أبي، و الذّكريات تمور في وجداني، هل تذكروني أم قد اعتراني دجى النّسيانِ ؟! أنا التي ثملت لياليّ من الأحزانِ، و توقّف بعد رحيلكم زماني، فأضعت في هذه الدّنيا مكاني، داووا فؤادًا مكسورًا برؤياكم ينجبر، فعبراتي على فراقكم كالسّيل تنحدر، و فيّ بركان شوقٍ كلّ دقيقةٍ ينفجر..."

   في تلك اللّحظات استرعى انتباهها قبر أخيها "علي"، تذكّرت بسماته حين يلاعبها، و نظراته حين يحاكيها":أخي، رحلت إلى الحرب ناسياً طريق الإياب, قتلك يهوديّ تموز يا خيرة الشّباب، و قد جئتك واقفةً أمام الأمواج العاتية لرياح الجفاء، فهل ستمخر سفينتك عباب هذا الفضاء؟ما مضى لقاءٌ بلا فراق، خوفي أن يمضي فراقنا بلا لقاء..."

        أما حسن فكان يودّع جدران "مسجد الإمام عليع " و الأبواب . بعد أن صلّى ركعتين في المحراب، توضأت وجنتاه بدموع شوقٍ لسيّد الشّهداء، فكلّ ركنٍ في المسجد فيه عطر الدّماء . بالأمس كان حول "عبّاس الموسوي"يتجمّع الأتراب، منصتين بقلوبهم، مرتشفين بأعينهم كلمات الخطاب، و اليوم تراهم أعينًا تحرس جبالًا، ترعى الهضاب . يدنيهم للقائد توقٌ، أملٌ باللقاء ... قد ولد بين جدران الكعبة "أبو تراب",و السّيّد بارك ولادة أشباله في بيت الله، فكانت رصاصةٌ قضت على باقي الأحزاب, مثبتةً أنّ "حزب اللّه" للأبد هو الغلّاب.

    ثوان ٍو مزّق صفحات تفكيره نداءٌ باسمه الجهاديّ":تراب...زوجك بانتظارك". ما إن علم حتّى قبّل الأرجاء ببريق عينيه، مُلقياً على الرّفاق تحيّة أهل الجنّة، و أسرع لرؤية "زينب" التّي  كانت واقفةً  في حديقة المسجد كالزّهرة بعبائتها السّوداء، زهرةٌ في أيّار تفتّحت آن لامستها أشعّة ذكاء ... دنا منها فسمعها تتمتم بفاتحة الكتاب، عيناها على المقبرة تحدّث بصمتٍ الأحباب . و عندما أبصرته ابتسمت مسلّمةً بعينيها قبل الكلام, في تلك العينين كان "حسن" يفهم ما يعجز عنه بقيّة الأنام، يراها تلمع كالنّجوم وسط الظّلام، كيف لا و هي نفسه تشاطره الحياة و حتّى المرام...

   سألها ناظراً إلى بطنها ":كيف حال طفلنا الصّغير ؟" أجابت مبتسمة، و كأن مناها الوحيد أن تسمع ما استطاعت صوته الجميل، و كان لها ما تمنّت ":أتذكرين عندما زففت إليّ النّبأ ؟ كنّا هنا في احتفال ولادة الرّسول قبل سبعة أشهر، و قد نذرت الطّفل للمقام "

فضحكت ضحكةً خافتة قائلةً":أجل، أوأنسى واجبًا ؟.

-ما رأيكِ بتسمية المولود "محمّد"؟

-إن شاء الله يا أبا محمد ...

   ابتسم مطبقاً على شفتيه يروم وداعها، وتعصيه الكلمات في حضورها> سألته عيناها ساحبةً أحرفًا أخفاها، فقال ":يُذكر أنّ أمّ ياسر قبل شهادتهما، قالت للسّيّد":أنا حوريّتك يا سيّد في الدّنيا و الآخرة "

-و أنا حوريّتك يا تراب ...في الدّنيا و الآخرة . أتسمح لي أن أزور الجنّة في غيابك؟

  مقبّلاً جبينها أجاب ":أخاف عليكِ أن تأتي وحدكِ,انتظري عودتي,وعدٌ لمقلتيك ما إن أصل حتّى نزورها سويًّا.."

      مضى إلى الشّهادة، و مضت معه الأيّام، فكان في القصير ما لا يحمله لبّ عاقل، سيطر الشّباب على المداخل، ولم يبق من السّلفة السّفلة إلاّ القليل ليُقاتل .بيد أنّ مرور حربٍ دون شهداء كلامٌ باطل...فكلما ارتفعت وتيرة الحرب زاد الجرحى، و ارتفع شهداءٌ أفاضل .و"زينب" بقيت تزاول العمل رغم أنّها حامل، تسأل عيناها عن "حسن" كلّما وصل مُقاتل . تبكيه في عتمة اللّيل و نهارًا تناضل، تتصبّر بالغريبة و فداءً لعينيها تُكابر.كلما زُفّ شهيدٌ بدت كالورد الذّابل...

      وقبل أن تُطهّر الأرض بالكامل، جاءهم جريحٌ، في عينيه آلاف الرّسائل، أخرج من جعبته ورقةً طهرّها دمه السّائل، وسلّمها لزينب قائلاً أنّها من "تراب" . شمّت الرّسالة و قد غسل الدّم الّذي عليها دمع عينيها، ففيها عطر الجهاد و نسيم أرضٍ حُمل من كربلاء .قرأت بعد عبارات الحمد و الثّناء، و الحبّ و الشّوق للقاء :

   يوم الخميس الّذي يصادف بعد غد, سأحاول الاتّصال بكِ السّاعة السّادسة مساءً.حبيبتي أشهد بأنّك أدّيت جهادك في حسن التّبعّل و أحسنت، فادعِ لي أن يقبل الله جهادي.

       حملت أسفاري و جئتك متّكئًاً      أقدّم لكِ ما عبّرت عنه جراحي

       فاقرأي منّي أكان صوابًا أم خطأً     لعلّك تكونين متّكئي و سلاحي

       استعين به عند كلّ ضائقةٍ       مستبدلاً أياّم هزيمتي بناحي

       و كلمة حقٍّ تُقال في نهاية     لا حرمني الله منكِ يا حياتيب    

     فبعين بصيرتك أستبصر          والصبر للقياكِ بات محرابي

               اعتني جيّدًا بنفسك، و بنفسي الّتي استودعتها فيكِ، محمّدنا...أحبّكِ تراب

      فجر الخميس استيقظ "كربلاء"صديق "حسن" على ترتيله لآيات القرآن، أنصت حتّى أنهى فسأله مبتسماً  ":أتصلّي قبل الآذان ؟"

-        ألا يحبّ الحبيب خلوة حبيبه؟!

-        أراك هائماً يا صديقي في هوى الخالق، أفلا تركت شيئاً للمخلوق؟

ابتسم تراب مجيباً لسؤال صديق الحرب الجنوبيّ ":بلى..تركت الكثير,أسكنت الخالق حرم قلبي، و أعطيته لزوجٍ خلقها من نفسي ..."

-فليجرك الله من هؤلاء الأغبياء، إن سمعونا اقتلعوا قلبك لملاقاة الله...

    و بضحكةٍ علويّةٍ ختما حديثهما، و باشرا بمراقبة المكان، فهدوء اللّيلة الماضية يضعهم أمام خيارين :إمّا فرار المسلّحين أو تحضيرٌ للمعركة الأخيرة...تمركز الشّباب، كلٌ في موقعه ينتظر الأمر بالضّغظ على الزّناد.و عند سماع النّداء بتلبية مستأصل أهل التّضليل و الإلحاد، باشروا بتصفية أهل العناد.

     و قبيل السّاعة الخامسة تذكّر حسن وعده لزينب، فاغتم . كان المتوقّع أن يتوقّف إطلاق النّار قبل ساعة. أحسَّ "كربلاء " بانزعاج صاحبه، فزحف نحوه سائلًا  عمّا أهمّه . فما كان من الأوّل إلّا أن أخبره...قال كربلاء":لا عليك يا أخي، الآن نستأذن القائد المحوريّ و نعود إلى المركز آن يهدأ إطلاق النّار. لم يبقَ إلا خمسة ..." 

-        لا بأس، لن أترككم الآن، سنعود سويًّا بعد نصف ساعة بإذن الله..

بعد نصف ساعة، ساد الهدوء و غُلّف الفضاء بغبار القذائف، و لم يبقَ للتّكفيريّين سوى أثر الدّماء و الأشلاء، فحمل الشّباب جرحانا و الشّهداء. و بالتّكبيرات غادر الشّباب ... و بينما كانوا يهمّون بالمغادرة أبصر حسن قنّاصًا كالحيّة ملتفٌّ وراء عامودٍ على سطح إحدى البنايات...

  أمّا "زينب" فاستجدّ عملها و اضطرّت أن تبقى حتّى السّاعة . أوضاع الجرحى خطيرة و لن يتسنّى لها المغادرة قبل نصف ساعة . و عندما أنهت خرجت بثياب العمل، و استقلّت أوّل سيّارةٍ رأتها ...ما إن ترجلّت منها حتّى أسرعت دون الالتفات، فصدمت جانبها إحدى السّيّارات ...

      في تلك الأثناء، أطلق القنّاص رصاصته الغادرة لتخرق جمجمة "حسن" الّذي حاول جاهدًا ردّ الطّلقات عن أصدقائه، فكان درعًا لأجسادهم الطّاهرة و خوذةً لرؤوسهم التّقيّة ...وأمضت حياته أمام عينيه، و كان ثغرها المبتسم آخر ما أبصرته مقلتاه، فصرخ ":لبّيكِ... يا زينب " بملء شفتيه, و سقط مرتفعًا شهيدًا بعد أن أغمض النّجيع عينيه...

       إبّان ارتقاء روحه إلى السّماء, لعلّها التفتت إلى الوراء قائلة:

سألت روحي بعد طول عناء    كم أحببت في الكون من حوراء

أجابت و الرّوح تتنهّد فرحًا    هل للقلب متّسع لأكثر من ولاء؟

فرشت لها بين أجنحته وردًا      تفوّحت منه كلّ العنبر و الدّماء

جفّت عروقي و طعم بلسمها  سائحٌ  فاح عطره فوق كلّ الأرجاء

زينبٌ لكِ في القلب مرتبةٌ          لم يعتلها سواكِ من النّساء

لو كان السّبق لغيركِ لكنتِ أنت خلاصة حبّي في الأرض والسّماء*

 وعلى السّرير في غرفة العمليّات، ابتسمت زينب و صرخ "محمّد" مستقبلًا آلام الحياة، و بقي أربعين يوماً تحت المراقبة حتّى تماثل للشّفاء، و ما لبثت ابتسامة اللّقاء إلا بضع ثوانٍ، قد أيقنت  زينب حينها أنه حان وقت الفراق، فاستودعت طفلها للدنيا تخلق له النّهار أماً و اللّيل أباً، تنهدت و امتثلت إلى الباري قائلة :"بحق ضلع الزّهراء لبيت لكِ الوفاء يا مولاتي يا زينب ".

 كانت هذه عبارة وداعها ولسان حالها يجيب بعلها:

هات يدك واحملني إليكَ   فبعد الشّهادة يطيب اللّقاء

وأنا الملوعة قد رأيت كم  مزّقتني رياح الجفاء

فراشة قلبك  قد حلّقت  مسرعةً إليكَ تلبي النّداء      

 

 

 

 

الرزنامة


آذار 2024
الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت
25 26 27 28 29 1 ٢٠ 2 ٢١
3 ٢٢ 4 ٢٣ 5 ٢٤ 6 ٢٥ 7 ٢٦ 8 ٢٧ 9 ٢٨
10 ٢٩ 11 ٠١ 12 ٠٢ 13 ٠٣ 14 ٠٤ 15 ٠٥ 16 ٠٦
17 ٠٧ 18 ٠٨ 19 ٠٩ 20 ١٠ 21 ١١ 22 ١٢ 23 ١٣
24 ١٤ 25 ١٥ 26 ١٦ 27 ١٧ 28 ١٨ 29 ١٩ 30 ٢٠
31 ٢١ 1 2 3 4 5 6
لا أحداث

مواقع صديقة

Image Caption

جمعية المبرات الخيرية

Image Caption

مؤسسة امل التربوية

Image Caption

مدارس الامداد الخيرية الاسلامية

Image Caption

المركز الاسلامي للتوجيه و التعليم العالي

Image Caption

وزارة التربية والتعليم العالي

Image Caption

جمعية التعليم الديني الاسلامي

situs togel http://jeniferseo.my.id/ situs togel https://seomex.org/ situs togel toto 4d dentoto togel4d https://www.sabalansteel.com/ togel 4d situs toto https://dentoto.link/ https://dentoto.cc/ https://dentoto.vip/ https://omtogel.art/ https://dentoto.live/ situs togel situs toto toto 4d dentoto https://tfts.org/ https://152.42.182.72/ situs toto situstoto https://www.gala.itone.lu/ https://128.199.107.156/ https://panamerica.capuchinhos.org.br/ dentoto