جاري تحميل الصفحة
مدارس المهدي

كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي النظام الإسلامي وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية في يوم المولد النبوي الشريف وولادة الإمام الصادق (صلوات الله عليهما) (1)_17-12-2016

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سیدنا محمد، وآله الطاهرین، وعلی صحبه المنتجبین، وعلی من تابعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أُقدّم التهنئة والتبريك ذكرى المولد السعيد للنبي الأعظم، خير الكائنات وسيد المخلوقات في عالم الوجود، حضرة محمد بن عبد الله، وكذلك الولادة السعيدة للإمام أبي عبد الله الصادق، ابن النبي وحجة الله في أرضه زمان إمامته. سائلين الله أن يوفّقنا جميعًا، والمسلمين كافة وأولي البصائر في العالم، لأن نعرف قدر هذه النِعَم، وهذه العظمة، وندركها، ونسعى جاهدين لأن نسير في ذلك الصراط المستقيم الذي هدانا إليه أساطين عالم الوجود هؤلاء.

..
رحمةً للعالمين
إنّ أهمية الوجود الأقدس للنبي الأعظم هي لدرجة، أن قد منّ الله تعالى على البشرية إذ منحها هذه النعمة؛ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ(2). يقول الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) في الصحيفة السجادية مخاطبًا الله تعالى: «الحَمدُ لِلّهِ الَّذي مَنَّ عَلَینا بِمُحَمَّدٍ نَبیِّه دونَ الأُمَمِ الماضیَة وَالقُرونِ السّالِفَة»(3). لقد صرّحت الآيات القرآنية والأحاديث الواردة عن الأئمة المعصومين بالمنة الإلهية لهذه العطيّة الكبرى إلى البشرية؛ هذا أمرٌ في غاية العظمة. وقد عبّر الله تعالى عن النبيّ أنّه ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(4)، ولم يقل: «لفرقة من البشر» أو «لجمع من العالمين»، بل قال: ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فهو يُهدي للبشرية تلك الرسالة التي جاء بها من عند الله تعالى، ويضع هذه البصيرة وهذا النهج بين يدي أبناء البشر كافة.

الجهاد بأنواعه؛ سياسي, ثقافي.. ناعم وصلب
هناك بالطبع مَن لا يرغب؛ مِن أصحاب الذهب والتسلّط؛ في أن يجلس الناس للضيافة على هذه المائدة الواسعة للرحمة الإلهية، ويعارض قوتهم، ولذلك يقف أمام هذه الحركة الإلهية، فيقول الله سبحانه وتعالى حينئذٍ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ(5) لا تسر وراءهم واحذرهم، ويقول في موضع آخر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ(6). يقول تعالى «جاهد»، وليس «قاتل الكفار والمنافقين»، لأنّ القتال ليس واجبًا ضروريًا دومًا، ولكن الجهاد ضروريّ ولازم على الدوام.

الجهاد جهاد سياسي تارةً، وجهاد ثقافي تارةً أخرى، ومرة جهاد ناعم، وأخرى جهاد صلب، وتارة جهاد بالسلاح، وأخرى جهاد بالعلم؛ هذه كلها جهاد، ولكن ينبغي الالتفات فيها جميعها أنّ الجهاد هذا إنما هو جهاد في مواجهة العدو، ومكافحة أعداء البشرية، ومحاربة الأعداء الذين يفرضون أعباء وجودهم الثقيلة ومطامعهم على البشرية اعتمادًا على قدرتهم وأموالهم وتسلطهم، ولا معنى للتوافق والانسجام معهم؛ ﴿اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ.

..
على صراطٍ مستقيم
إن الآيات الكريمة التي نزلت حول النبي، والتعاليم التي أُعطيت له لتعلّمه بناء المجتمع الإسلامي الجديد خطوة بخطوة وكلمة بكلمة، كثيرة جدًا. وصيتنا إلى أنفسنا، وإلى شبابنا، وإلى المبلّغين للشؤون الدينية، وإلى من بيده مقاليد أفكار الناس، هي الرجوع إلى هذه الآيات كلها، ومشاهدة هذه المفاهيم القرآنية جميعًا، فإنها منظومة كاملة. إن مشكلتنا تكمن في أننا نغفل عن مجموعة التعاليم الكاملة التي يخاطب الله بها نبيّه، والصفات التي يصفه بها. فلو وضعنا هذه المنظومة الكاملة نصب أعيننا، حينها سيظهر لنا بوضوح ذلك المسار والموقف الصحيح، وذلك الصراط المستقيم الذي كان النبي يسلكه. ﴿إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(7)، يجب إيجاد هذا الصراط المستقيم.

الاتّحاد الإسلامي؛ سبيل العلاج
بما أنّ الحاضرين في هذا المجلس هم من إخواننا وأخواتنا الأعزاء الوافدين من بلدنا، ومن البلدان الأخرى، وكذلك الضيوف الأعزاء لمؤتمر الوحدة، وسفراء البلدان الإسلامية المحترمين، من مختلف المذاهب الإسلامية - شيعة وسنة - ومن مختلف النِحَل والمدارس الفكرية، وهذه الكلمات سوف تصل إلى مسامع الآخرين فيما بعد، أرى أنا العبد أنه من الضروريّ والمناسب أن أخاطبكم في هذا المجلس بهذا: أيها الإخوة الأعزاء! أيتها الأخوات العزيزات! إن العالم الإسلامي يعاني حاليًا من محن كبرى، والسبيل لعلاجها هو الاتحاد الإسلامي؛ الوحدة، تكامل الجهود، التعاون، تجاوز الاختلافات المذهبية والفكرية. إنّ نظرة القوة الاستكبارية والاستعمارية للعالم الإسلامي اليوم، هي العمل لإبعاده عن الوحدة أكثر فأكثر. لأن وحدة العالم الإسلامي تشكّل تهديدًا لها: مليار ونصف مليار مسلم، كل هذه البلدان الإسلامية بهذه الموارد الكبيرة، هذه الطاقات البشرية الجبّارة؛ إن توحّدت فيما بينها، وتحركت متّحدة نحو الأهداف الإسلامية، لما عاد بوسع المتسلّطين أن يقرعوا طبول قوّتهم في العالم، ولما صار بمقدور أمريكا أن تفرض إرادتها على البلدان والحكومات والشعوب، ولما كان باستطاعة الشبكة الصهيونية الخبيثة أن تمسك الحكومات والقوى المختلفة بمخالب اقتدارها، وأن تسيّرهم في طريقها ومسيرها، وتدفعهم إلى العمل الذي تريده؛ إذا إتّحد المسلمون فهكذا سيكون الوضع.

إذا اتّحد المسلمون لن يكون وضع فلسطين على ما نشاهده اليوم؛ وضع فلسطين حاليًا صعبٌ مرير؛ وضع غزة بطريقة، والضفة الغربية بطريقة أخرى. الشعب الفلسطيني يتحمّل اليوم ضغوطًا يومية قاسية. الأعداء يهدفون إلى إبعاد القضية الفلسطينية عن الأذهان، ورميها في مطاوي النسيان. يريدون لمنطقة غرب آسيا -التي تشمل بلداننا- وهي منطقة حساسة واستراتيجية للغاية، سواء من الناحية الجغرافية، أو من حيث المصادر الطبيعية، أو من جهة المعابر المائية، أن تنشغل وتشتغل ببعضها؛ ليقف المسلم مقابل المسلم، والعربي في وجه العربي، للتناحر ولتصفية بعضهم بعض، لإضعاف جيوش الدول الإسلامية، ولا سيما الجيوش المجاورة للصهاينة يومًا بعد يوم؛ هذا هو هدفهم.

التشيّع البريطاني والتسنّن الأمريكي شفرتا مقصّ واحد!
في المنطقة اليوم توجد إرادتان متعارضتان: إحداهما إرادة الوحدة والأخرى إرادة التفرقة. إرادة الوحدة تختصّ بالمؤمنين، ونداء اتحاد المسلمين واجتماعهم يعلو من الحناجر المخلصة التي تدعو المسلمين إلى الاهتمام بقواسمهم المشتركة؛ فلو حدث هذا وتحققت الوحدة لما بقيت أوضاع المسلمين الراهنة على ما هي اليوم عليه، ولاكتسب المسلمون العزة. لاحظوا كيف أن المسلمين اليوم، من أقصى شرق آسيا في ميانمار إلى غرب أفريقيا في نيجيريا وأمثالها، وفي كل مكان، يُقتلون؛ في بعض الأماكن على يد البوذيّين، وفي أماكن أخرى على يد بوكوحرام وداعش ومن شاكلهم. وهناك من يصبّ الزيت على هذه النيران؛ التشيّع البريطاني والتسنّن الأمريكي متشابهان، وهما شفرتان لمقصّ واحد، حيث يسعيان لتنازع المسلمين وتقاتلهم. هذه هي رسالة إرادة الفُرقة التي هي إرادة شيطانية؛ لكن نداء الوحدة يدعو إلى تجاوز هذه الاختلافات، والاصطفاف معًا والتعاون بين المسلمين كافة.

إذا نظرتم إلى التصريحات الصادرة عن المستكبرين والقابضين على المصالح الحيوية للشعوب، لوجدتم أنها تدعو إلى التفرقة؛ لقد قيل عن السياسة البريطانية منذ سالف الزمن بأنها سياسة «فَرِّق تَسُد»، حيث كانت هذه سياستهم في الوقت الذي كانوا يمتلكون القوة، وهي نفسها أصبحت اليوم سياسة القوى المادية في العالم؛ سواء أمريكا، أو بريطانيا من جديد في الآونة الأخيرة. البريطانيون كانوا دومًا مصدرًا للشرور والنكبات على الشعوب؛ الويلات التي أنزلوها بحياة الشعوب في هذه المنطقة، قلّما أنزلتها قوة في بقعة من بقاع العالم. ففي شبه القارة الهندية -التي تتضمن اليوم الهند وبنغلاديش وباكستان- سدّدوا تلك الضربات، وفرضوا على شعوبها تلك الضغوط، وكذلك الحال في أفغانستان وإيران والعراق، كلٌّ بطريقة خاصة، وأخيرًا في فلسطين أيضًا، حيث قاموا بتلك الحركة المشؤومة الخبيثة، وشرّدوا المسلمين بل شعبًا في الحقيقة وطردوه من دياره، وبالتالي تم القضاء -بواسطة السياسة البريطانية-على بلدٍ تاريخي سُجِّل باسم فلسطين منذ آلاف السنين. وفي هذه المنطقة منذ ما يربو على قرنين -قرنين ونيّف؛ أي منذ العام 1800م وحتى الآن- لم يصدر من الإنكليز سوى الشرّ والفساد والتهديد، وإذا بمسؤولٍ إنكليزي (8) يأتي إلى هذه المنطقة ليصرّح قائلًا: إنّ إيران مصدر تهديد للمنطقة! هل إيران هي تهديد للمنطقة؟ يجدر بهم أن يكونوا في منتهى الوقاحة كي يعمد أولئك الذين كانوا على مدى الزمان مصدرًا للتهديد والخطر والبلاء على هذه المنطقة، إلى رمي بلدنا المظلوم العزيز بهذه التهمة؛ هكذا هم وهذه هي حقيقتهم.

الصحوة الإسلاميّة تهديدٌ للاستكبار
منذ أن ظهرت علامات الصحوة الإسلامية في هذه المنطقة، تصاعدت وتيرة النشاطات لإثارة الفتنة والتفرقة؛ ذلك أنهم ينظرون إلى التفرقة كوسيلة للهيمنة على الشعوب. ومنذ أن شعروا في هذه المنطقة بانطلاق آراء جديدة، وأفكار إسلامية حديثة، وتجلّي استقامة الشعوب وحيويتها وثباتها، تسارعت حركة الأعداء المشعلة للفتن؛ بعد أن أقيم النظام الإسلامي في إيران، وحمل راية الإسلام، ورفع لواء القرآن، وقال بكل فخر واعتزاز إننا نعمل بمنهج الإسلام، وكان يتمتع بالقوة والسياسة والإمكانات والجيش والقوات المسلحة وبكل شيء، وراح يستثمرها، ويعزّزها يومًا بعد آخر، أخذت حركة الفتنة والتفرقة هذه تسير بوتيرة أسرع، وباتوا يشدّدون هذه الحركة لمواجهة هذا القيام الإسلامي وهذه العزة الإسلامية. أصبح الإسلام يهدّدهم منذ أن منح الصحوة للأمة الإسلامية، وأما ذلك الإسلام الذي لا يمتلك حكومة ولا جيشًا ولا جهازًا سياسيًا ولا مالًا ولا شعبًا كبيرًا مجاهدًا، فهو يختلف عن الإسلام الذي يتمتع بكل هذه الأمور. الجمهورية الإسلامية تتميّز بأنها بلد كبير، لديها شعب مجاهد، وشباب متحفّز مؤمن، ومناجم كثيرة، ومواهب وطاقات تفوق المتوسط العالمي، وحركة باتجاه العلم والتقدم. فإن مثل هذا البلد بطبيعة الحال يعتبر مصدر تهديد لهم، لأنه سيكون نموذجًا ومثالًا تحتذي به الشعوب المسلمة، فهم أعداء له. وإن تشدّقوا بالمرونة يومًا ما، فهذا كذب، حقيقتهم وباطن أمرهم العنف والقسوة. يجب معرفة هؤلاء وإدراك حقيقتهم، على الشعوب أن تستعدّ لمواجهة هذا العدوّ الذي لا أخلاق له ولا دين ولا إنصاف؛ يتظاهر بالأناقة ولكنه في الحقيقة متوحش بكل معنى الكلمة.

ما أكثر مشتركاتنا!!
أهم أنواع الإستعداد اليوم باعتقادنا، عبارة عن اتحاد المسلمين. فليحذر المسلمون من إثارة الخلاف والشقاق فيما بينهم، لا فرق في ذلك بين الشيعي والسني وبين كل المجموعات. على جميع المذاهب والفرق الإسلامية أن تتغاضى عن اختلافاتها الفكرية لمصلحة المشتركات الكثيرة. إن الوجود المقدّس للنبي الأعظم هو نقطة الارتكاز والمحور الأساس الذي تتوجه إليه محبة وتعلّق المسلمين كافة. الجميع يعشق النبي؛ هذه هي نقطة الارتكاز، والمركز الأصلي. القرآن هو موضع اعتقاد واهتمام جميع المسلمين، والكعبة الشريفة كذلك، فما أكثر المشتركات بين المسلمين! والواجب هو أخذ هذه القواسم المشتركة بنظر الاعتبار، ومعرفة عملاء الأعداء وعملاء الاستكبار في المنطقة. فإن مما يؤسف له أن يأتي ذلك العدو السافر ليقول: «أنتم أعداء فيما بينكم، وهذا البلد[الاسلامي] مصدر تهديد لكم»، أي إنكم أعداؤه، وهو عدوّ لكم! والحال أنّ الذي يتحدث بهذا الكلام هو العدو، حسنٌ، هذا أمر واضح؛ فلماذا نجد أولئك الذين يستمعون إلى حديثه -وهم يظهرون بمظهر الإسلام ويسيرون في حياتهم وحُكمهم باسم الإسلام- يتقبّلون كلامه؟ ولـماذا ينبغي أن يصدّقوا أقواله؟ لماذا تتبع بعض دول المنطقة -وللأسف- في منحاها، نهج عدوّ الإسلام وعدوّ الأمة الإسلامية السافر؟
لا تتخلّوا عن سبيل العزّة والفخار!
وما أودّ قوله لأبناء شعبنا - وللشعب الإيراني العزيز الذي خرج من كل هذه الامتحانات ناجحًا مرفوع الرأس حقًا، خلال هذه الأعوام التي أعقبت تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية وكذلك في سنوات النضال التي أدت إلى إقامة النظام الإسلامي وانتصار الثورة الإسلامية – لا تتخلوا عن هذا الطريق الذي هو طريق إمامنا الخميني العظيم وطريق ثورتنا، وواصلوا المسير في هذا السبيل. فإن العزة في دار الدنيا والعزة في الملأ الأعلى رهن بمتابعة هذا النهج: نهج التمسّك بالقرآن والعترة، نهج التمسّك بالأحكام الإلهية، نهج الصمود مقابل الأعداء، نهج ترك المحاباة في سبيل إظهار الحقيقة والدفاع عنها؛ فإن هذا هو الطريق الذي لو واصله شعبنا -وقد واصله حتى اليوم والحمد لله، حيث سار خلف المسؤولين في البلد وسلك هذا السبيل المفعم بالفخر والاعتزاز- واستمر على اتّباع هذا النهج، وتابع هذا الجهاد، سيكتسب السعادة في الدنيا والآخرة، ولوصل نفعه إلى سائر المسلمين في العالم أيضًا. نحن ندعو جميع الدول المسلمة والبلدان الإسلامية إلى التكاتف وتضافر الجهود وإلى التعاون فيما بينهم، فإنّ هذه دعوةٌ تدرّ النفع على الجميع.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغمر أبناء الأمة الإسلامية والبلدان الإسلامية والشعوب الإسلامية جميعًا بخيره وبركته ورحمته وأن يدفع شرّ الأعداء عن هذه المنطقة بإذنه ومشيئته.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته


1- في بداية هذا اللقاء ألقى حجة الإسلام والمسلمين حسن روحاني (رئيس الجمهورية) كلمة بالمناسبة.
2-
سورة آل عمران، جزء من الآية 164
3- الصحيفة السجادية
4- سورة الأنبياء،جزء من الآية107
5- سورة الأحزاب، جزء من الآية1
6- سورة التوبة، جزء من الآية 73
7- سورة الزخرف ،جزء من الآية 43
8- إشارة الى تصريحات تيريزا مي (رئيسة الوزراء البريطانية) في اجتماع مجلس التعاون الخليجي في البحرين.

 

كلمة الإمام الخامنئي خلال لقائه جمعاً من أساتذة الجامعات في 12 شهر رمضان المبارك في حسينية الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) 18-6-2016

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقية الله في الأرض.

أرحّب أجمل ترحيب بالأخوة والأخوات الأعزاء. وكما كنت أكرّر القول، إنّ هذا اللقاء هو لقاء رمزي؛ وهو في الواقع علامة الاحترام والتكريم والتعظيم الذي نشعر به تجاه العلم وأساتذة العلم والجامعة. حسناً، إنها فرصة جيدة جداً لي أنا العبد لله، لأحصل على صورة إجمالية للأجواء الفكرية والعلمية للجامعات، من خلال استماعي لكلمات الأساتذة المحترمين. أي إنّ ما ذكره الأصدقاء، فضلاً عن المضمون الجيد والمفيد والذي سنتابعه إن شاء الله وننقله للمسؤولين، هو مؤشر يبيّن الأجواء العامة للجامعات إلى حد ما، لذلك فهو مفيد لي.

معلومات صحيحة!
وبالمناسبة أقول لكم، البعض يسأل، وهذا السؤال يصل إليّ وهو أنّه: ما هي مصادر معلومات فلان؟ حيث إنني أتعرض في كلامي أحياناً للأوضاع في الجامعات والعلم والأوضاع الموجودة وما شابه، ما هي المصادر وقنوات الحصول على المعلومات لدي؟ وفي الجواب أقول: إنّ الأغلب هو ما يرتبط بداخل الجامعات نفسها؛ أي التواصل الذي يحصل معنا من قبل الأساتذة والطلاب ومديري ومسؤولي القطاعات العلمية والجامعية في البلاد؛ أي إنّ هناك طيفاً واسعاً من شبكات التواصل التي تساعدنا في الاطلاع على وقائع وأوضاع العلم والعلماء والجامعة وما شابه؛ سواءٌ التقارير الحكومية الرسمية التي يقدمها لنا الوزراء المحترمون كل فترة، أو التقارير التي نطلبها منهم، أو التقارير التي تصلنا في مناسبات مختلفة؛ أو العلاقات الشعبية والتواصل المستمرّ، الذي يزوّدنا به الأساتذة والعلماء وطلاب الجامعات والأشخاص المعنيّون بالجامعة، حين يطلعون على الأمور وينقلونها لنا ونستفيد منهم؛ أو من تلك المواقع والمراكز المرجعية التي ذكرها بعض الأساتذة في كلماتهم، حيث يتمّ ترجمتها وتقديمها لي. إن ما تذكره "الأونسكو" حولنا، وكذلك ما تصدره الـ" ISI " (2) أو "سكوبوس" SCOPUS(3)؛ فهي تصلني. هذه هي مصادر معلوماتنا.

وعليه، فإنّ تضارب وتقاطع وتداخل هذه المصادر يمنح الإنسان حالة اطمئنان بأنّ ما نعرفه هو معلومات صحيحة.

أيّ إيران بعد 20 عاماً؟
القضية التي أريد أن أطرحها، هي أنّ إحدى مهام ومسؤوليات العلماء والعقلاء والنخب في أي بلد، النظر إلى المستقبل. أي "إيران" نريد بعد عشرين عاماً؟ هذا أمر مهم. إن كان بحثنا حول الاقتصاد أو العلم أو التقنية أو الأخلاق والمعرفة، فإن الهدف هو معرفة أي إيران نريد بعد عشرين عاماً. حسناً، لدينا الآن وثيقة الأفق العشرينية، التي قمنا بإعدادها قبل عشرة أو أحد عشر عاماً، وتخطّط للعام 1404 ه.ش (2025م)؛ حسناً جدّاً، هناك الآن العديد من الآراء حول التقويم؛ هل قطعنا وحققنا خلال السنوات العشر الماضية من هذه الوثيقة بمقدار عشر سنوات أو خمس سنوات أو اثنتي عشرة أو خمس عشرة سنة؛ الآراء مختلفة.

أي إيران نريد بعد عشرين عاماً؟ طلاب الجامعات اليوم سيكونون بعد عشرين سنة على رأس إدارة الأمور وعلى كرسي المسؤولية؛ هم من سيدير البلاد؛ هنا تكمن أهمية عملكم كأساتذة ومسؤولين جامعيين؛ أي إنّ الشباب الذين هم طلابكم اليوم، سيكونون بعد عشرين سنة: رئيس جمهورية ووزراء، ونواباً، ومديرين للقطاع الفلاني؛ البلد سيكون بأيديهم؛ فماذا تريدون أن يكون لديكم بعد عشرين سنة؟ هذه نقطة بالغة الأهمية، هذا سؤال مهم، هاجس وعمل ذهني مهم بحيث لا يمكن لعلماء البلد وحكمائه، وأنتم منهم، أن يغضّوا النظر عنه.

إن كان لدينا تصوّر إجمالي للوضع المنشود بعد عشرين سنة، فهناك واجب على عاتق سلسلة العالم والمعرفة هذه، من قطاع التربية والتعليم وصولاً للجامعات؛ المسؤولية تقع على هؤلاء، فهم الذين يريدون اليوم أن يربّوا ذلك الجيل الذي سيمسك مقاليد الأمور ويدير البلاد بعد عشرين سنة.

فهل نريد "إيران" بعد عشرين سنة بهذه المواصفات التي أطرحها؟
إيران قوية؛ نريد إيران قوية بعد عشرين سنة؛ أي إنها لا تشعر بالخوف والرعب من تهديدات الأعداء، الصغار منهم أو الكبار، لا ينتابها القلق والتوهّم، تعتمد على مقدراتها الذاتية؛ ...

إيران مستقلة؛ أحياناً، لا يشعر بلدٌ ما بالخوف من أعدائه الخارجيّين ولكنه يعتمد على قوة أخرى؛ تماماً كالطفل الذي يشعر بالأمان اعتماداً على قوة أبيه. هل نريد أن نكون هكذا أم لا؟ نريد إيران قوية بالاعتماد على نفسها، مستقلة. نريد إيران متدينة؛ إيران غنية؛ إيران تنعم بالعدالة؛ العدالة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والعدالة القضائية؛ إيران ذات حكومة شعبية؛ إيران ذات حكومة طاهرة ومجاهدة وحنونة وتقية؛ نحن نريد "إيران" كهذه؛ وبالطبع فإنّ هذه الأمور هي أهداف مرغوبة ومطلوبة.

لا ازدهار في ظل التبعية للغير!
أو أننا لا نولي أهمية لهذه العناصر التي ذكرت؛ فلا نهتم كثيراً بهذه المواصفات، أو حتى إننا نخالف بعضها؛ أي إننا نريد إيران تنعم بالازدهار الاقتصادي والرفاه، حتى لو كان ذلك على حساب تبعيتها للآخر. وبالتأكيد فإنه لا إمكان لهذا الأمر، وحالياً فإنّ هذا البحث مطروح؛ بأنّ البلد التابع للآخرين من الناحية الاقتصادية لا يمكنه الوصول أصلاً للرفاه الاقتصادي. نعم، تتراكم الثروات عند البعض فيه، ولكن أن يصل الرفاه والهدوء الفكري والثبات الاقتصادي، فلا إمكان لهذا الأمر أبداً. افرضوا الآن على سبيل المثال، أننا نريد أن نكون تابعين وأنه لا يوجد مشكلة في التبعية من الناحية السياسية؛ كما يطرح البعض هذه الأفكار حالياً وبشكل صريح؛ فنصبح بلداً يعتمد على إنتاج محصول واحد –تقريباً كالوضع الحالي- فينتج النفط ويبيعه بشكل خام؛ بلداً متفلّتاً من الناحية الأخلاقية، معرّضاً للانقسامات الاجتماعية والانقسامات القومية والدينية والمذهبية والسياسية؛ بلداً تحكمه طبقة أرستقراطية، تمتلك ثروات ضخمة، كما هو الوضع في أمريكا _ وول ستريت إيران (4)_ في مقابل فقر وحرمان الأكثرية؛ فهل نريد بلداً بهذه المواصفات ومن هذا النوع؟ في أميركا، وفق الأخبار المعلنة، عندما ترتفع درجات الحرارة، يموت عدد من المواطنين من الحرارة؛ حسناً، لا أحد يموت من شدة الحرارة في بيته؛ أي إن هؤلاء مشردون ولا يملكون بيوتاً، أو عندما تبرد الحرارة فإن الكثير يموتون من الصقيع - حيث تتسرب أحياناً المعلومات والإحصاءات عن أمور كهذه وغالباً لا تُعلن ويتم كتمانها- يعني أن هؤلاء ليس لديهم بيوت. في بلد يملك كل تلك الثروات _أمريكا بلد غني_ فإن هذا يدل على وجود ثروات مكدسة في القمم وحولها وديان وسفوح من الفقر والحرمان والشقاء والإهمال.

حسناً، نحن ماذا نريد؟ بالطبع بين هاتين الصورتين يوجد أشكال متنوعة وصور مختلفة متوسطة أيضاً.

الجامعة مكانُ إعدادٍ وتربية
إذا كنا نريد النوع الذي طرحنا صورته أولاً؛ [أي] إيران بعد عشرين سنة، متقدمة على الصعيد المادي والمعنوي، قوية وعزيزة، تنعم في وضعها الداخلي بالخيرات والبركات -الخيرات والبركات المادية والمعنوية؛ التدين الذي ذكرناه هو من الخيرات والبركات المعنوية- فإن هذا يحتاج إلى إنجاز أعمال كبرى، وأساس هذه الأعمال في الجامعات. وهذا هو السبب الذي يجعلني أعتمد وأؤكد كثيراً على حساسية الجامعة والأساتذة ووزراء العلوم المحترمين. لقد ذكر أحد السادة مسألة الفعالية؛ حسناً، على عاتق من تقع الفعالية؟ كل هذه الجهود التي نقوم بها هي من أجل إيجاد هذه الفعالية. من الذي يحقق الفعالية والكفاءة العملية؟ إنه ذلك الإنسان العالم والصبور والمجاهد في سبيل الله والذي لا يسعى لملء جيوبه، وهو الإنسان المتخصص المدرك والمتقن لعمله، الذي ينزل إلى الميدان بكل شجاعة ويقوم بالإنجازات. الفعالية والكفاءة العملية لمثل هذا الإنسان. ونحن نسعى لهذا النموذج. أين يتم إعداد وتربية هذا الإنسان؟ في الجامعة بشكل رئيسي فالمسالة إذاً تعود للجامعات؛ يجب أن تتحلى الجامعة بتلك المواصفات التي يحتاجها البلد في المستقبل، بعد 20 سنة قضية الجامعات مهمة لهذه الدرجة.

حسناً، إنّ الأمور التي ذكرناها لها مستلزمات، وقد لخّصت هذه المستلزمات في عدّة عناوين:
- التقدم العلمي مطلوب ولازم.
- الانضباط الأخلاقي مطلوب.
- التقوى الدينية في أجواء الجامعة.
- البصيرة السياسية.
- الإحساس بالهوية والافتخار بها.


على طالبنا الجامعي أن يشعر بهويته الإيرانية الإسلامية ويفتخر بها، هذه أمور واجبة ولازمة وينبغي مراعاتها كي يتحقق الوضع الذي نريده؛ إن نقص أي منها، سيُحدث خللاً في إحدى القواعد.

إذا سنحت الفرصة، سأذكر بضع كلمات حول كلٍّ منها.

حسناً، حين تلاحظون إنني أكرر التنبيهات أحياناً حول هذه الرحلات المختلطة والأعمال السيئة وما شابه، لا ينبغي أن تؤخذ المسألة على أنها تحجّر مقدّس؛ فإن تلك الأعمال تسبب خللاً وإشكالاً وتخرج الأجواء الجامعية عن الوضع المطلوب والذي يجب أن يتحقق. حين نقف لا مبالين في مقابل هذه الأمور، فهو الوضع المخالف والمعاكس تماماً لما نتوقعه اليوم من الجامعة ولما نحتاجه عند طلابنا الجامعيّين.

فيما يتعلق بقضية التقدّم العلمي، لقد تحدّث السادة بكلمات جيدة جداً؛ أي إنّ هذه المسائل التي طرحها السادة والسيدات في الأقسام المختلفة، كانت أفكاراً وكلمات جيدة جداً؛ هذا مؤشر يدل على وجود حركةٍ علميةٍ. منذ أوائل الثمانينيات (أوائل العقد الأول للقرن الواحد والعشرين) وصولاً ليومنا هذا، حين جرى طرح مسألة العلم والتقدم العلمي- على ما أذكر فإني قد طرحت هذه المسألة أول مرّة في جامعة "أمير كبير" وقمت بمتابعتها- فقد حدثت حركة بكل معنى الكلمة، ونظراً لوجود الأرضية والاستعدادات والطاقات والظروف المناسبة للبلاد، فقد تحقق رشد علمي عالٍ جداً. وما أصرُّ عليه حالياً هو سرعة هذا الرشد والنمو. في إحدى الجلسات التي كان يشارك فيها رؤساء الجامعات والأساتذة، تكلمت حول سرعة الرشد العلمي، وأنّه قد تراجع ونبهت وحذرت من ذلك؛ (5) كتب الوزير المحترم رسالة لي بأنّه "كلاّ، إن النمو والرشد العلمي مستمر" وذكر إحصاءات وأرقاماً أيضاً. أنا أعلم بأنّ النمو مستمر؛ كلامي لا يدور حول عدم وجود نمو علمي؛ بلى، إنني أرى وألاحظ أن لدينا رشداً علمياً؛ كلامي حول سرعة هذا الرشد؛ لقد خفّت سرعتنا. نحتاج اليوم إلى تسريع هذا الرشد؛ تأمّلوا مثلاً إذا كان هناك مسابقة سيارات، وكان السائقون يسيرون بسرعة 250 أو 300 كلم/س، فإن كنت حضرتك متقدماً في الخطوط الأمامية، لا بأس أن تقود بهذه السرعة ولا إشكال حينها في الـ 250 أو 300 كلم/س؛ ولكن إن كنت في آخر الخط، في الخلف والبقية هم أمامك، فإن هذه السرعة لا تنفعك، وما دام أنك تسير بهذه السرعة وغيرك أيضاً[قد حافظ على سرعته] فستبقى في الخلف دائماً؛ يجب أن تزيد سرعتك لتصبح في المقدمة؛ حين تصل إلى الأمام؛ حينها فقط يمكنك أن تسير بسرعتهم. لقد قال بعض السادة - وكما ذُكر في المراكز المرجعية أيضاً- بأنّ سرعة النمو والرشد العلمي قد تراجعت في بعض البلدان الاوروبية؛ نحن نعرف هذا والسبب أنهم قد استنفدوا مواردهم وطاقاتهم، حين يتم استثمار أغلب الطاقات والموارد، فلا مجال حينها للتقدم، هذا طبيعي؛ على الرغم من أن العلم لا يتوقف أبداً. وضعنا نحن ليس كذلك؛ لقد جرى تعويقنا ووضعنا في خانة التخلف؛ لمدة 60 أو 70 سنة على الأقل، بسبب الحكومات الفاسدة والحكومات الخائنة والحكومات الغافلة- الحد الأدنى هو الغفلة- بقينا وراء ركب التقدم؛ إن أردنا أن نتقدم ونتحدّى في تلك المسابقة الدولية، لا يمكننا أن نتحرك بتلك السرعة التي يتحركون هم بها؛ يجب أن نزيد من سرعة النمو. هذا ما أطالب به؛ وإلا فإنني أعلم أن هناك رشداً ونمواً عالياً. يجب تسريع هذا الرشد. علماً بأننا في المرتبة الرّابعة عالميّاً في مجال الرشد العلمي؛ هذا ما أفادني به السيد الوزير في تقريره (6) وأنا أيضاً كنت قد قرأته في تقرير أحد مراكز التصنيف العالمي. نعم، نحن في المرتبة الرابعة؛ لكن هذا غير كافٍ ويجب أن نزيد سرعة حركتنا.

الإحساس بالهوية؛ قلنا إنّ على الجامعيين أن يشعروا بهويتهم. يجب أن نعرف الأوضاع الواقعية للبلاد، ما قيل اليوم هو جزء من الوقائع؛ إننا قمنا بهذه الأعمال في مجال الفضاء، وهذه الإنجازات في مجال النانو وهذا في المجال النووي وما حققناه في التقنيات البيئية، وكم تقدمنا في المجال الطبي؛ كل هذه الأمور يجب أن تقال وتعلن. بمقدور الأستاذ أن يؤثّر في قلب الطالب في مجال الإحساس بالهوية كي يشعر بأن لديه هوية قيّمة ويفتخر بها. أما أن يقوم الأستاذ في الصف وبشكل مستمر في إحباط الطالب ويكرر القول لهم "أنتم صغار ومتخلفون، أنتم حقيرون"؛ فهذه خيانة! لا مجاملة ولا مسايرة في ذلك؛ إنها خيانة. أن يقوم الأستاذ بتشجيع الطالب المتفوق، لا أن يثبطه ويقول له: "أيها السيد! ماذا ستفعل إن بقيت هنا! هيا انهض وهاجر إلى الخارج واعمل وانجح هناك!" حسناً، لقد أعدَدَتْ أفضلُ جامعات البلاد هذا الطالب وتحملتْ تكاليف باهظة كي تعلمه وتربيه وتجهزه؛ وحين يأتي موسم الاستفادة منه وجني الثمار من هذه النبتة القيمة، يرحل ويقدّم ثماره ونتاجه في بلد آخر؟ هذه خيانة.

معنى الاحساس بالهوية هو هذا؛ أن يشعر الطالب الجامعي بأن كونه إيرانياً ومسلماً وثورياً هو فخر له ويتباهى به. نعم، نحن ما زلنا في الخلف، ولكن لدينا قوة وطاقة، لدينا جهد وشباب، وها نحن نتحرك ونتقدم للأمام ونصل لأهدافنا. حين تكلمت عن اللغة الفارسية - وقد أشار مقدم البرنامج المحترم الى هذه المسألة- لم أقصد بحث اللغة الفارسية، والتي هي من دون شك ذات قيمة عالية جداً، وقد أكدنا كثيراً على هذه المسألة في مجالها وسياقها، بل قصدت بأنّه يجب أن نصل في المجال العلمي إلى الدرجة، التي إن أراد الآخرون أن يصلوا للعلم ومستوياته العليا، فيجب عليهم أن يتعلموا اللغة الفارسية. مثلما تفعلون حالياً في قسمٍ من العلوم، حيث تضطرون الى تعلم اللغة الانجليزية أو اللغة الفرنسية مثلاً للاطلاع على التطورات العلمية الجديدة في تلك العلوم؛ هذا هو كلامي، يجب أن تصل البلاد الى تلك المرحلة، نعم، نحن لدينا طاقة وقدرة وكفاءة، نحن في الخلف ولكننا نتقدم للأمام؛ كما كنا في السابق في آخر الصف وقد وصلنا اليوم الى هذه المراحل. هذا هو كلامي.

حسناً، لقد ذكرت هنا إحصاءات ولا لزوم لأكررها. ذكر السادة بعضها. مراكز التحكيم والتصنيف الدولية - ومنها هذه المراكز المرجعية، كذلك المجلات العلمية المتخصصة، مجلّة Science(7) مجلة Nature(8) - ما يذكرونه عن إيران مؤشر على إعجابهم. مثلاً ما تقوله مؤسسة القياس العلمي في كندا؛ في هذا "إنّ التقدم العلمي في إيران مثير للدهشة" واللافت للنظر هو الجملة التي تلي هذا العنوان، "وهذا الامر مصدر قلق للغرب!" حيث إن كنتم بشراً فلماذا تقلقون؟ إن تقدم شعب ما على المستوى العلمي فلماذا يجب أن تقلقوا؟ مجلة علمية معروفة عالمياً – مجلة science – تكتب "إيران هي القوة العلمية الصاعدة حديثاً" لقد كتبوا هذا وأقرّوا به ونشروه: قوة علمية صاعدة. وكما وصلتني التقارير، فإن "اليونيسكو" قد أصدرت السنة الماضية 2015م، تقريرها الأفق العلمي حتى العام 2030م؛ وجاء فيه بأن" إيران تقوم بتبديل اقتصادها من اقتصاد مرتكز على المصادر إلى اقتصاد مرتكز على العلم". هذه هي المسألة التي أؤكد عليها دوماً وقد أشار إليها بعض السادة اليوم. نعم، إنه الاقتصاد بمحورية العلم، وإن إصراري عليه هو لهذا السبب. يقولون إنّ الحظر كان مؤثراً؛ حيث ساعد إيران بشكل غير مباشر على التوجه نحو الاقتصاد المرتكز على العلم، ويضيف تقرير اليونيسكو بأن أولويات إيران في المجال العلمي هي: الخلايا الجذعية، الطاقة النووية، أبحاث الفضاء، تبادل الطاقة، تقنيات الاتصالات والمعلومات. إنهم يقومون برصد كل هذه المسائل ومراقبتها بدقة تحت المجهر، يتابعون ويراقبون. إن الأعمال التي نقوم بها حالياً هي أعمال بالغة الأهمية. حسناً؛ ينبغي أن يعرف طلابنا هذه المعلومات؛ حين يطلّع الطالب الجامعي على هذا، فإنه يشعر بهويته وثقة بشخصيته ويفتخر بنفسه وبكونه إيرانياً ينتمي لهذه الثورة.

السيادة الشعبية الحقيقية!
وبالتأكيد فإن الإحساس بالهوية لا يتم فقط في مجال العلم؛ في مجال الأفكار الجديدة والكلام الجديد - حيث ذكر أحد الأساتذة: "قل لي كلاماً جديداً(9)"-. نحن قدمنا كلاماً وأفكاراً جديدة. إن فكرة السيادة الشعبية المترافقة مع المعنويات والدين هي فكرة جديدة في العالم المعاصر. لا يتصورن أحد بأن فكرة التوجه نحو المعنويات هي فكرة قديمة ورجعية و"ليست على الموضة" كما يقول السادة؛ كلا، عالم اليوم يشهد اضطرابات وتلاطماً بسبب الفراغ الروحي المعنوي، والغربيون يعترفون بذلك ويقولون ويكرّرون؛ ولكن من أين يأتون بالمعنويات؟ لا يمكن ضخ المعنويات للناس كالدواء بواسطة الحقنة؛ ليس لديهم معنويات وهم مبتلون بالطبع، وسيزيد بلاؤهم وتورطهم أكثر فأكثر. حين قمنا بصياغة وتقديم السيادة الشعبية المترافقة مع الدين والمعنويات، فهي سيادة شعبية بكل معنى الكلمة؛ في البلدان الأخرى فإن السيادة الشعبية هي في الواقع سيادة حزبية.

الحزب في الغرب لا يمثل مجموعة شعبية وشبكة منتشرة بين الناس؛ كلا، الأمر ليس كذلك، لا في أمريكا ولا في بريطانيا ولا في الأماكن الأخرى. التفتوا إلى هذه المسألة، الحزب في البلدان الغربية هو نادٍ، نادٍ سياسي، منتخب يجتمع فيه بعض النخب تحت شعارات معينة واستثمارات مالية وما شابه، ويتمكون من جذب الناس من خلال الإعلام والإعلانات للمشاركة في الانتخابات، فهي ليست سيادة شعبية حقيقية. لدينا هنا –في بلدنا- سيادة شعبية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ومنسجمة في الوقت نفسه مع الدين والإسلام. حسناً، إن هذا يمنح الشعب الهوية. إن وجد هذا الإحساس بالهوية، فلن يحصل توجه ونزعة نحو الخارج؛ إن لدينا عدة آلاف من الطلاب الجامعيين في البلدان الأجنبية؛ إذا تحقق هذا الافتخار، فإن ذلك الطالب سينهض ويرجع إلى إيران، بعد أن يكون أنهى دراسته بالطبع، فأنا لا أخشى من ذهاب الطلاب للخارج، ولطالما قلت، فليذهب وليدرس وليتعلم، كي يرجع ويكون مفيداً لبلده. فمتى سيحدث هذا الأمر؟ عندما يفتخر بكونه إيرانياً وثورياً. هذا معنى الاحساس بالهوية.

هناك مسألة تتعلق بالسياسة في الجامعات. قبل سنوات - قبل وقت طويل – قلت عبارة حول السياسة في الجامعات وانزعج منها المسؤولون الحكوميون كثيراً وتساءلوا لماذا تقول هذا الكلام؟ كنت قد قلت: لعن الله أولئك الذين سحبوا بساط الفكر السياسي والعمل السياسي والنشاط السياسي من الجامعات (الذين حاولوا إخراج السياسة من الجامعات )(10)، عتبوا علينا وقالوا إنكم تجرّون الشباب نحو العمل السياسي. حسناً، هناك بالطبع من يتحدث حالياً وبشكل كله رياء حول الجامعة والطلاب، لكن رأيهم الحقيقي هو هذا؛ غير أن اعتقادي هو هذا؛ الأجواء الجامعية، هي بشكل طبيعي، أجواء تضارب الآراء والأفكار، هذه طبيعة الجامعي، والسبب أنّ الشباب من ناحية، لم يصلوا إلى ذلك النضوج الفكري والبنيوي الذي يمنحهم الهدوء والسكينة – فأنتم تعلمون، حينما يصل الانسان للنضوج الفكري، يحصل عنده هدوء داخلي يزيل عنه حالة الصراع والتوتر؛ الشباب ليسوا كذلك- ومن جهة أخرى فإن الشاب مفعم بالطاقة والحيوية والبحث وما شابه؛ أنا العبد لله حينما أراجع مذكراتي وأعود إلى مرحلة الشباب- قبل خمسين أو ستين سنة – حيث كنا نتباحث ونتحاور مع الآخرين حول القضايا السياسية والثورة والنضال، أجد فيها الصراع والصراخ والأزمات.. ! أجواء التحدي والصراع هي ميزة عمر الشباب، وخاصة الشباب الجامعي المتابع لهذه المسائل؛ وبناءً على هذا فلا إشكال أبداً في هذا الأمر، إنما الإشكال أن نستغل هذه الأجواء للعمل ضد الثورة والقيم الثورية؛ هذا هو الأمر السيئ. فلتحضر الأفكار المختلفة والأذواق المتنوعة والتوجهات السياسية المتعددة في الجامعات، لا يوجد أي إشكال؛ وليقوموا بالبحث والحوار، إذا حدث صراع ونزاع. فما هو واجب المسؤول الإداري الجامعي؟ هل مهمته أن يدعم التوجه المخالف لمباني الثورة وينسق معه؟ كلا، هذا غير صحيح بالمطلق؛ بل واجبه ومسؤوليته هي على العكس من ذلك. واجب المسؤولين الجامعيين، سواء كانوا مديرين أو لجاناً عليا أو مسؤولين في الوزارة، وصولاً للأستاذ داخل الصف الذي يتعامل مباشرة مع الطلاب، أن يقوموا بتوجيه وهداية هذه الصراعات والتحديات نحو المسار المؤدي إلى مباني الثورة، وإلى أهداف الثورة، أي أن عليهم تربية الشاب بشكل ثوري. وبعبارة مختصرة أقول:

يجب أن تكون الجامعة ثورية، يجب أن يكون الطالب الجامعي ثورياً. يجب أن يكون مسلماً مجاهداً في سبيل الله؛ على المديرين والأساتذة توجيه الطلاب وهدايتهم لهذا الاتجاه. تصلني أحياناً تقارير تشير إلى عكس هذا الأمر تماماً! وأنا أقول للسادة الذين شرّفونا بحضورهم هنا- من مسؤولي ومديري التعليم العالي-: أنتم تتحملون المسؤولية، يجب عليكم الانتباه والدقة؛ احذروا أن تصبح أجواء الجامعة مكاناً للخروج على الثورة والابتعاد عن مفاهيم الثورة وقيم الثورية وعن التدين والروح الثورية وعن اسم الإمام العظيم ونهجه وذكره؛ هذه من المستلزمات الضرورية الحتمية. فمن الممكن أن يوجد في الجامعة شخص أو مجموعة ممن يمتلك نزعات تؤدي إلى تقسيم البلاد – هذا موجود على أرض الواقع، أنتم الموجودون في الجامعات، عليكم أن تعرفوا بوجود أمور كهذه؛ أنا لدي معلومات – هذه التوجهات لا يمكن القبول بها وتأييدها ودعمها. هناك توجهات تؤدي بالبلاد نحو التبعية، يجب ألّا يتم مسايرة هذه التوجهات، لا أريد أن أقول مواجهتها بالضرب والقوة والعمل الأمني وما شابه؛ كلا، بل يجب التعامل مع هذه القضايا بذلك الأسلوب الحكيم والإداري، بأسلوب الطبيب المعالج. وعليه فإن قضية الروح والثورية والانضباط مهمة.

لدي عدة توصيات ولكن الوقت قد مضى، أطرحها بشكل مختصر:
على مسؤولي التعليم العالي – سواء في وزارة الصحة أو في وزارة العلوم- ألا يسمحوا بأن يصل الباحث والمبدع إلى حالة اليأس والتعب والإحباط. فهذا خطر كبير. لقد شاهدتم كيف أن السادة اليوم قاموا وتكلموا بكل نشاط ومحبة وحيوية، يجب العمل على تسييل هذه الروحية وبثّها في كل أجواء الكليات ومراكز الأبحاث والبيئة الجامعية، على الجميع أن يتحلى بالأمل؛ فلا تسمحوا لليأس والاحباط والتعب بالوصول إليهم.

الاهتمام بالعلوم الأساسية
من جملة الأمور التي كنت قد التفت إليها طرحتها سابقاً، ويؤكد على صحتها المتخصصون اليوم:
الاهتمام الخاص بالعلوم الأساسية. لقد قدّمت تشبيهاً للمسألة في لقاء سابق مع العلماء والباحثين هنا (11) قلت إن العلوم الأساسية هي ذلك الرصيد المالي الذي تضعونه في المصرف كذخيرة ودعم لمسار حياتكم؛ أما العلوم التطبيقية فهي كالمال الذي تضعونه في جيوبكم وتصرفون منه بشكل يومي؛ هي ضرورية؛ فلا يمكن الاستغناء عن العلوم التطبيقية وتجاهلها، يجب الاهتمام بها، ولكن الأصل هو العلوم الأساسية. ولقد ذُكر كلام لأحد العلماء المتخصصين والخبراء – ونحن يجب أن نتعلم منهم، أي إن عليّ أنا أن أتعلم منهم – يقول فيه "إن العلوم التطبيقية، من دون العلوم الأساسية، لن تصل إلى أي نتيجة.

التوصية التالية؛ مسألة الديبلوماسية العلمية مهمة. وبالأصل فإن الديبلوماسية هي أمر مهم؛ الديبلوماسية الاقتصادية مهمة أيضاً، وكذلك الديبلوماسية الثقافية. ديبلوماسية العلم مهمة، لكن التفتوا في هذا المجال- أي العلاقات العلمية، وأنا أوافق عليها- واحذروا ألّا يتم خداعنا. لاحظوا مثلاً؛ يأتي شخص بعنوان تاجر ويلتقي أحد علماء الاقتصاد عندنا أو بالتاجر الفلاني، يجلسان في المطعم أو الفندق الفلاني، على أساس الحوار والبحث في توقيع صفقة تجارية، حين نجري تحقيقاً ونبحث بدقة يتّضح بأن ذلك الشخص هو ضابط أمني تابع للنظام الصهيوني وقد جاء متنكراً بشخصية تاجر لتحقيق أهدافه. هذه الحالة موجودة أيضاً في مجال العلم. نعم، استفيدوا من العلماء الأجانب، لقد قلت مراراً في لقاءات الطلاب الجامعيين بأننا لا نخجل بأن نكون طلاباً لدى الآخرين، لكن علينا الانتباه والحذر بأن لا يتم استغلال التواصل العلمي وطلب العلم لإيجاد منافذ وثغرات للنفوذ والاختراق الأمني؛ إنهم يستغلون كل شيء للاختراق الأمني؛ حتى العلم. لقد حدث هذا سابقاً، وللأسف فإنه يحدث اليوم أيضاً في بعض الأماكن.

النقطة التالية، مسألة المقالات العلمية، حسناً، لقد عُرضت إحصاءات المقالات العلمية وأنا على اطلاع أيضاً؛ لقد زادت المقالات، ولكن يجب توجيه المقالات العلمية نحو حاجات البلاد. نحن لدينا اليوم حاجات في مجال النفط، في مجال الزراعة وكذلك في الصناعات المختلفة، ولدينا حاجات كذلك في مجال الاتصالات، نحتاج للأبحاث ولكتابة المقالات؛ فلا نصب المقالات في جهة رفع حاجات البلد الفلاني. هذه هي النقطة: توجيه المقالات نحو حاجات البلاد.

المسألة الأخرى هي مسألة الخارطة العلمية الشاملة، بالطبع، فإن إعداد هذه الخريطة الشاملة هو أمر جيد، ولكن يجب أن يتم تبيينها لكل الجامعات، وكذلك يجب أن يتم تبديلها إلى برامج ومشاريع.

هناك نقطة حول الاقتصاد المقاوم وقد تحدث السيد الدكتور درخشان (12) عنها، وللإنصاف فقد كان كلامه جيداً جداً في هذا المجال؛ إن الاقتصاد المقاوم هو عزة وطنية وهو كذلك حلّال المشكلات المالية. وقد سألني: "أنتم تؤكدون دائماً وتكررون في خطاباتكم دوماً على العزة الوطنية وما شابه، فماذا ستفعلون بالحاجات الفعلية الراهنة للمجتمع؟" وجوابنا هو: إذا تم إجراء وتنفيذ الاقتصاد المقاوم بالمعنى الحقيقي للكلمة –كما تمّ إعداده وبالشكل المطلوب- فإنه سيضمن العزة الوطنية وسيؤمّن الحاجات الحالية للبلاد أيضاً؛ وذلك لأنه يعتمد على الطاقات الداخلية، وعلى الامكانات والانتاج المحلي.

المسألة التالية؛ إن العمل الثقافي في الجامعات هو أصل وأساس، ليس نشاطاً زائداً أو عملاً هامشياً؛ يجب إعطاء العمل الثقافي الأهمية اللازمة. وبالطبع فإن العمل الثقافي لا يعني دعوة فرق "الكونسرت" إلى الجامعة أو الحركات الموزونة (نوع من الرقص) مثلاً (13) فهذه ليست أعمالاً ثقافية، بل هي مضادة للثقافة. العمل الثقافي هو العمل الذي يعرّف الأذهان الى ثقافة الثورة وثقافة الإسلام؛ هذا هو العمل الثقافي. فليفتح المسؤولون الميدان والمجال للطالب القيمي وللأستاذ القيمي، ليسمحوا لهذا الأستاذ ولهذا الطالب بالتنفس في البيئة الجامعية بالمعنى الحقيقي للكلمة. وبالتأكيد فإن وصيتي للطلاب والأساتذة الثوريين الرساليين أيضاً، بأن يصنعوا أدوارهم المؤثرة. لقد قلنا للشباب بأنكم ضباط الحرب الناعمة، وأنتم الأساتذة قادة الحرب الناعمة كذلك؛ حسناً جداً، تولّوا القيادة واصنعوا أدواركم. الحرب الناعمة دائرة حالياً. منذ ذلك اليوم الذي طرحت فيه الحرب الناعمة وحتى اليوم، انقضت عدة سنوات وازدادت شدة هذه الحرب أضعافاً مضاعفة. العدو يحاربنا الآن. مسألة اللغة التي أشارت لها السيدة قهرماني (14)، مسألة هامة ونقطة لافتة للنظر إذا تمّ الانتباه والتدقيق فيها. إنهم يهاجموننا من جميع الجهات في المجال الثقافي؛ السبب واضح وقد بيناه مراراً وتكراراً. حسناً يجب علينا أن نعدّ أنفسنا.

لقد قلت إنه ينبغي عدم حضور الأشخاص غير الموثوقين في الجامعات؛ يقولون: "من هو الشخص غير الموثوق يا سيد؟" ونقول: إنه الشخص الذي يشكك بالنظام تحت أي ذريعة. أي بلد يسمح بالتشكيك بالنظام الحاكم فيه؟ أمريكا نفسها التي تدعي بأنها مركز الحريات، هل تسمح بذلك؟ لقد تعرض جان شتاين – الذي كتب عدة روايات منها "عناقيد الغضب" المعروفة – إلى أصعب الضغوط وأشد المضايقات، في أمريكا. كل من يتفوه بكلمة تفوح منها رائحة الاشتراكية - ليس الاشتراكية بل أي رائحة خفيفة من الاشتراكية! –يحاصرونه بشتى الأساليب؛ من الاغتيال الجسدي إلى الاغتيال المعنوي والهتك وما شابه؛ هكذا هم؛ لا يسمحون بالتشكيك بالنظام. لنقوم نحن هنا، بذريعة الانتخابات أو الموضوع الفلاني أو العلاني ونشكك بالنظام ونتحداه! إن الذي يشكك بالنظام بذرائع مختلفة هو شخص غير موثوق.

بالنسبة للعلوم الإنسانية، كنت قد دوّنت ملاحظات، ولكن الوقت انتهى وأعتقد أننا قد تجاوزنا الوقت أيضاً.

إن "علم معرفة الإنسان" في العلوم الانسانية الغربية ناشئ من معرفة الإنسان الغربي؛ هذه خلاصة المطلب. ولا نقول برفض الاستفادة منه، ولكن يجب الانتباه إلى أن شاكلة وتركيب العلوم الانسانية التي جاءت من الغرب تعتمد على الرؤية الكونية الغربية حول الإنسان ومعرفة الإنسان الغربية، والتي تعتبر الإنسان شيئاً، ولكن نحن نعتبر الإنسان موجوداً آخر، غير ما يرى الفكر المادي للغرب. وعليه، يجب الاهتمام بالعلوم الإنسانية الإسلامية والتركيز عليها.

اللهم اجعل كل ما قلناه وما قمنا به وكل ما فكّرنا به وما سمعناه، لك وفي سبيلك وتقبّله منّا؛ نوّر قلوبنا بصفاء شهر رمضان.

اللهم! بمحمد وآله، اهدِ بلدنا ومجتمعنا وجامعتنا وأساتذتنا وطلابنا وعلمنا نحو أهدافك السامية، يوماً بعد يوم.

والسلام عليكم ورحمة الله


1- في بداية هذا اللقاء ، ألقى أحد عشر أستاذاً جامعياً كلمات حول أوضاع العلم والجامعات.
2- مؤسسة المعلومات العلمية
ISIتقوم بالقیاس والتصنیف العلمي والخدمات المتعلقة بإحصاءات فهارس الكتب والمقالات والمطبوعات العلمية - البحثية للجامعات.
3- من المراكز الموسوعية المرجعية التي تجمع معلومات عن الكتب الصادرة عن 5000 دار نشر في كل العالم
4- شارع في نيويورك، يعتبر أكبر مراكز البورصة والتجارة في أمريكا ويرمز لنسبة 1% أي الأثرياء بين مجموع الشعب الأمريكي
5- لقاء مع جمع من رؤساء الجامعات ومراكز الأبحاث وحدائق العلم والتقنيات عام 2005 م
6- الدكتور محمد فرهادي (وزير العلوم والأبحاث والتقنيات)
7- مجلة علمية أسبوعية
Science
8- مجلة علمية أسبوعية Nature
9- شطر شعر لجلال الدين الرومي (مولوي)، ديوان شمس (ترجمة)" هيا قل لي كلاماً جديداً لتضفي النضارة على العالمَين... فنعبر من حد هذا العالم الى عالم لا حد له ولا تحديد"
10- من جملتها : لقاء التلاميذ والطلاب عام 1993م
11- من جملتها: لقاء جمع من الشباب النخبة عام 2011م
12- الدكتور مسعود درخشان (جامعة العلامة الطباطبائي )
13- ضحك القائد والحضور
14- الدكتورة سوسن قهرماني (جامعة الزهراء "عليها السلام")

 

كلمة الإمام الخامنئي في الجلسة الأولى لدرس البحث الخارج وافتتاح العام الدراسي الحوزوي الجديد  6-9-2016

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد ثلاثة أشهر وبضعة أيام من عطلة الدرس وأبحاث الحوزات، ها نحن وبحمد الله نعود لخدمة السادة، وننوي متابعة المباحثات والبحث الفقهي. في تلك الفترة، مضى شهر رمضان وهذا الصيف الحار؛ انتفع البعض من شهر رمضان بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ سواء من أعمال شهر رمضان، صيام النهارات الطويلة لشهر رمضان وأدعية شهر رمضان والخشية والخشوع والتضرّع وما شابه، أو تلك الأنشطة التي قاموا بها؛ تصدّوا للتبليغ وشرحوا أحكام الدين، سافر بعضهم وبقي بعضهم الآخر في طهران وانشغلوا بالعمل والنشاط. أي إنّ البعض من جمعكم ومن بقية الإخوة في طهران قد استفادوا حقًّا؛ البعض منا، لا، لم ننتفع كثيرًا، حيث إنّ علينا أن نتأسّف ونفكّر في التعويض ونعوّض عمّا فاتنا.

مسؤولية عالم الدين؟
ما هو مهم، أن يشخّص طالب العلوم الدينيّة، عالم الدين والروحاني –بالتعبير الرائج [في إيران]- مسؤوليته في كل فترة من الزمن. إذا لم يتمّ تشخيص المسؤولية فإنّ العلم والتقوى وما شابه لا تنفع في شيء، أي أنها لا تُصرف في المكان المناسب. كأن يملك الإنسان مثلًا مالًا كثيرًا ولكنّه لا يعلم أنّ ولده مريض. حسنًا، لو كان يعلم أنّ هذا الولد مريض يحتاج إلى علاج أو إلى عملية جراحية، والمال في جيبه، لذهب وعالجه. لكن عندما لا يعلم أنه مريض، فإنّه سيفقد هذا الولد أو أنّ مرضه سيشتدّ ويقوى عليه؛ والحال أنّ الإمكانات كانت متوفرة لديه، فقد كان يملك المال اللازم.

نحن إن كان عندنا علم، وتمتّعنا بالتقوى أيضًا، ولدينا حتى الشجاعة اللازمة، ولكن لا نعرف ما هي مسؤوليتنا وواجبنا، فإنّ كل ذلك العلم والتقوى والشجاعة وبقية المميزات الإيجابية، لن تنتج آثارها المتوقعة ولن يكون لديها المردود اللازم.

من البصيرة؛ معرفة حاجة المجتمع
 كلمة "البصيرة" هذه التي نكرّرها دائمًا، البعض تتنغّص أوقاته بشدة لأنّ فلانًا يكرّر قول البصيرة.. البصيرة؛ معناها هو هذا. أحد المصاديق المهمة للبصيرة هو هذا؛ أن يعرف الإنسان ما هي الحاجة المطلوبة في المجتمع اليوم، نحن لدينا ملايين الشباب؛ الشباب في معرض التعلم واكتساب ما يُقدّم له. قال [الشاعر]: "إنّني لوحة بيضاء وجاهز لكلّ ما يُرسم عليها"[1]. يمكن رسم كل أنواع الرسوم على هذه اللوحة البيضاء؛ من يبادر ويتصدّى؟ من يسابق ويتقدّم؟ من يتحرك أمام الآخرين؟ أو من يتنبّه أنّ رسمًا مشؤومًا وقبيحًا قد رُسم على هذه اللوحة كي ينهض ويصلحها؟ كل هذه الأمور تحتاج إلى بصيرة.

 يجب أن نعرف حاجات المجتمع اليوم. إنّ الأعداء اليوم ينفقون أموالًا طائلة. وما أقوله ليس تحليلًا بل معلومات؛ يدرك الإنسان الكثير من هذه الأمور. ينفقون الأموال ليتمكّنوا من تغيير ذهن الشباب المسلم المؤمن الإيراني وحرفه. يريدون أن يحرفوه عن ماذا؟ عن أصل الدين؛ ليس عن نظام الجمهورية الإسلامية وحسب، أو عن ولاية الفقيه وأمثالها فقط، بل عن أصل الدين، عن التعبّد بالدين؛ [ابتداءً] من مسألة التشيّع وصولًا إلى نظام الجمهورية الإسلامية وباقي الأمور الموجودة؛ يختلقون الشبهات بشكل دائم. يوجد أشخاص في الداخل هم أدوات عندهم؛ ولكن الكثير منهم ليسوا داخل البلاد؛ إنهم في الخارج، يوجّهون ويرسمون الخطوط الأساسية، يحدّدون العنوان والموضوع المعيّن وينشرونه ويطلبون من أولئك أن يقولوا ويكرّروا ويروّجوا لتلك المواضيع.

الفضاء الافتراضي؛ ساحة لا حد لها!
 وكذلك فإنّ الفضاء الافتراضي اليوم هو صحراء لا نهاية لها ويمكن التحرك فيها من كل الجهات، لم يعد الأمر كالسابق، حيث كنتم إذا أردتم بيان مطلب ما تضطرّون لكتابته على الأوراق ثم تستنسخونه أو تطبعونه وتصوّرونه عشر نسخ أو مئة أو مئتي نسخة؛ الوضع الآن ليس هكذا. كل شخص يمكنه استخدام الحاسوب لوحده وسيلة إعلامية. إنهم يجلسون ويبثّون الشبهات والكلام والأفكار ليضلّوا الشباب المؤمن السليم. يجب معرفة هذه الأمور. من هو الشخص الذي يجب أن ينزل إلى وسط الميدان ويجعل صدره درعًا ويكون مانعًا لانحراف الشباب؟ من هو الذي يجب أن يقف في وجه أعمال العدو لحرف أذهان الشباب؟ على عاتق من يقع هذا العمل؟ على المجتمع العلمي والديني، أي علماء الدين، أول مسؤولية من مسؤولياتهم هي هذه؛ وهي أهم مسؤولياتهم الواجبة عليهم.

على الحوزات ان.. لمواجهة هذا الجيش العظيم
يجب على الحوزات العلمية أن تؤمّن هذه الطاقات في داخلها؛ قدرة المقابلة وجهًا لوجه، مواجهة هذا الجيش العظيم الذي لا يُعدّ ولا يحصى, ومكافحة العدو الذي يتدفّق ويهجم على إيمان الناس، على اعتقادات الناس، على سلامة نفوس الناس، على عفّة الشباب. يوجد الكثير من مواقع الإنترنيت التي تهدف إلى القضاء على عفّة الشباب وحياء الشباب المسلم –سواء الفتيان أو الفتيات- يريدون أن يمزّقوا ستارة الحياء؛ بالأصل فإنّ همّهم وهمّتهم على هذا ويخطّطون البرامج لهذا الهدف.

كيف نواجه ما يتعلق بالفكر والذهن والقلب؟
حسنًا، بعض العناوين هي عناوين جرمية والأجهزة الحكومية المتنوعة تتحمّل مسؤولية مواجهتها وهي تواجهها، لكن ذلك الشيء المتعلّق بالذهن والفكر  والقلب لا يمكن حلّه بالحركة والعمل الأمني والمخابراتي والعسكري؛ بل يحتاج إلى إدارة مناسبة للبلاء الذي يحلّ فيه؛ إنّ دواء ذلك المرض هو الشيء الذي لدى علماء الدين، لدى أهل الدين، لدى علماء المذهب؛ يجب علينا أن نجهّز أنفسنا؛ الكثير منّا ليس مجهّزًا، الكثير منّا لا يعلم وليس عنده معرفة، لا في بُعد [ساحة وجوانب] الأقسام الصلبة ولا في بُعد البرمجيات. البعض ليس لديه أي معرفة أصلًا بهذه الأساليب الجديدة، ممّن لا معرفة لهم بالحاسوب وما شابه، لا يعرفون معناه ومضمونه ولا يدركون أهمية هذا العمل. نحن نشاهد هذا؛ يوجد بين المسؤولين أيضًا أشخاص لا يدركون أهمية هذا العمل الكبير بدقة وكما يجب وينبغي، ولهذا فإنهم لا يقومون بالأعمال والإجراءات المطلوبة في هذا المجال.

الفضاء المجازي؛ منافع ومضار لا تحصى!
لقد أسّسنا المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي لأجل هذه القضية(2)[2]؛ لكي يجتمع المسؤولون ويجلسوا معًا ويفكّروا ويركّزوا جهودهم وقراراتهم وإجراءاتهم لمواجهة هذه الحادثة الكبرى. إنّ هذا مجال يوجد فيه منافع لا تُحصى ومضارّ لا تُحصى؛ هكذا هو مجال الفضاء الافتراضي؛ يمكن اكتساب الحدّ الأكثر من المنافع؛ وهذا هو العمل الذي يقوم به العدو، أنتم أيضًا يمكنكم الاستفادة بالحدّ الأكثر في الجهة المعاكسة؛ انشروا المفاهيم الإسلاميّة والمعارف الإسلاميّة دون أي مانع أو رادع؛ كما يقوم حاليًّا البعض من هؤلاء الناس المؤمنين، من الشباب المؤمن، من المعمّمين وغير المعمّمين، العلماء وغير العلماء –بعض هؤلاء الشباب من غير العلماء الذين هم أكثر نشاطًا وفعالية في هذا المجال- بإنجاز أعمال جيدة جدًّا؛ فجأة، ينشرون على مستوى العالم مطلبًا ما، مفهومًا ما، فكرة معينة ويروجونها، ما يربك الطرف المقابل فيحار ماذا يفعل.

المعرفة بالبرمجيات.. والشبهات الجديدة!
ما ينقص البعض على هذا الصعيد، عدم معرفتهم أصلًا بهذا العمل وهذه التقنيات؛ البعض كذلك لديه مشكلات في البرمجيات، فلا يعرف أجوبة الشبهات، بالأصل هو غير ملتفت إلى هذه الشبهة – لا يعرف ما هي الشبهات المطروحة اليوم- كانت هناك شبهة مطروحة منذ مئة سنة أو منذ خمسمئة سنة، من الممكن أن لا تكون مطروحة اليوم أصلًا؛ فنذهب نحن ونبحث في الكتب ونجد تلك الشبهة ثم نجد الإجابة عنها، أم لا، لنرى اليوم ما هي الشبهات الموجودة. بالتأكيد بعض شبهات اليوم هي نفسها شبهات قديمة ولكن قد ألبسوها لباسًا جديدًا. هذا النوع من الشبهات موجود ولكن أحيانًا أخرى هناك شبهات جديدة؛ يجب علينا التعرف إلى هذه الشبهات الجديدة، أن نعلمها؛ هذه هي أعمال الحوزات العلمية ويجب على الحوزات العلمية أن تتصدّى وتتقن هذه الأعمال. وهذا لا يعني أننا نتخلّى عن الفقاهة ونضعها جانبًا؛ كلا، هذا عين الفقه.

فقه الله الاكبر
الفقه ليس الأحكام العملية فقط؛ "فقه الله الأكبر" هو المعارف الإسلامية؛ هناك شبهات حول المعارف الإسلامية. انظروا مثلًا في باب صلاة المسافر، حيث تطرح في إحدى مسائل صلاة المسافر عشرات الفروع. هكذا هي دقة نظر فقهائنا؛ عشرات الفروع في مسألة "اشتراط إباحة وحلّية السفر لصلاة القصر" على سبيل المثال[3]. حسنًا، هذه مسألة واحدة ولكن فروع هذه المسألة كثيرة إلى ما شاء الله؛ السيد[4] مثلًا يطرح في العروة عشرة أو اثني عشر فرعًا أو أكثر؛ الآخرون كذلك يطرحون فروعًا أكثر في أماكن أخرى. حسنًا، الوضع هو هكذا أيضًا في المسائل الاعتقادية؛ في المسائل الاعتقادية كذلك يوجد هذا التفريق والتفرّع للشبهات الكثيرة. ذلك الطرف المقابل يلتقط نقطة صغيرة ويركّز عليها ويوجّه الأذهان نحوها ويصرفها عن غيرها. بناءً على هذا، فإنّ هذه المسألة هي إحدى مسؤولياتنا الأساسية؛ يجب على الحوزات العلمية أن تلتفت وتهتم بهذه المسائل. لحسن الحظ فإنّ حوزة طهران العلمية قد انتظمت واكتسبت رونقًا جديدًا في هذه الأيام؛ سمعت أنّ اليوم أيضًا هو يوم افتتاح حوزة طهران العلمية. يمكن إنجاز أعمال كبرى في هذا المجال، آمل أن يوفّقكم الله جميعًا إن شاء الله.


1- ديوان الحاج ميرزا حبيب؛ "إنني لوحة بيضاء وجاهزٌ لكلّ ما يُرسم عليها/ يدُ رسامي القدرة تصوّرني كيفما تشاء".
2- مراجعة حكم تأسيس وتعيين أعضاء المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي (17-12-1390هـ.ش/ 7-3-2012م).
3- شرط كون السفر مباحًا وجائزًا لتقصير صلاة المسافر.  
4- السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي

 

كلمة سماحة الإمام الخامنئي في لقاء التعبويّين بمناسبة أسبوع التعبئة (1)_23/11/2016

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين سيّما بقيّة الله في الأرضين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

لقاؤنا لقاء جميل وطيب جدًّا. لقد تناثر عطر روحية التعبئة في الأجواء. استفدنا وسُررنا من بيانات هؤلاء الأعزاء الذين بيّن كلّ منهم، بأسلوبٍ حقيقة جميلة وكذلك ذات أهمية خاصة، فإنّ لي معكم كلامًا كثيرًا أيها التعبويون الأعزاء من الشباب والفتيان والفتيات.

إنّها يد القدرة..
سأتعرّض في كلمتي لعدّة نقاط حول التعبئة ولكن قبل ذلك أعرض عبارات بمناسبة هذه الأيام (الأربعين الحسيني)، وبمناسبة هذه المسيرة العظيمة والتي هي في الحقيقة ظاهرة تاريخية كبرى. عادةً وفي هكذا ظواهر يشهدها الإنسان، والتي لا يروّج لها الإعلام والإعلانات، ثم تبرز فجأةً كظاهرة، فإنّ يد الله مشهودة فيها أكثر من كل الحالات الأخرى؛ إحدى نماذجها تتمثّل في الثورة الإسلاميّة نفسها. المواجهات السابقة لها أهميّتها، ومحفوظة في محلّها، ولكن ما جرى من الحضور الشعبي والمشاركة الجماهيرية لمدة سنة، سنة ونصف في بلد مترامي الأطراف كبلدنا، حيث كانت الشعارات نفسها التي يطلقها أهالي طهران، تتردّد على لسان أهالي القرية الفلانيّة النائية، في تظاهراتهم ضدّ النظام. لذلك قال الإمام حينها –كما نُقل لنا- إنّ هذه الثورة ستنتصر حتمًا، لأنّها مظهر حضور اليد الإلهية القادرة. وفي مرة أخرى قال لي شخصيًّا إنّني قد رأيت طوال هذه الثورة يد قدرة تدعم دومًا هذه الحركة الشعبية العظيمة؛ هذه هي الحركات الشعبية.

وهكذا كانت قضية السيطرة على مركز التجسّس (السفارة الأمريكية في طهران)، وسائر الأحداث التي جرت بعدها في هذا البلد، هكذا في قضية التاسع من دي التي حدثت منذ سنوات. وكذلك هي حالات الاعتكاف الحاشدة؛ هذه ظواهر لا تُعبّأ لها الحملات الإعلامية ولا تُبذلُ الجهود للتحضير لها. انظروا وتأمّلوا كيف أنه في العالم ولأجل جمع عشرة آلاف شخص أو خمسين ألف شخص في مكان ما، كم يقومون بحشد وحملات إعلامية وإعلانية ويبذلون الجهود ثم لا ينجحون في هذا!

طريق عشقٍ.. ممزوج بالبصيرة!
أما هنا، وعلى الرغم من وجود عقبات وموانع متعددة، يحضر من إيران فقط مليونا إنسان للمشاركة في مسيرة مشي لثمانين كلم –للمشي وليس للنزهة والتمدّد في الفنادق- ينهضون ويتوجهون إلى كربلاء؛ وأضعاف مضاعفة من العراق نفسه والبلاد الأخرى؛ إنها حادثة إلهية، هذه ظاهرة إلهية؛ هذه علامة تدلّ على أنّ هذا الطريق هو طريق عشق. غاية الأمر أنّه ليس عشقًا طائشًا، بل عشق ممتزج بالبصيرة؛ تمامًا كعشق الأولياء لله: "اللهم ارزقني حبّك وحبّ من يحبّك وحبّ كل عمل يوصلني إل قربك" (2)؛ هذا الحب وهذا العشق هو عشق متلازم مع البصيرة، حيث يعرف الإنسان، يُدرك ويفهم وتشدّه هذه الجاذبيّة، يجذبه هذا المغناطيس. حسنًا؛ بناءً عليه؛ فإنّ هذا العمل هو عمل كبير؛ وهذه الظاهرة هي ظاهرة عظيمة.

أتوجّه أوّلًا إلى الذين توفّقوا وذهبوا للمشاركة (في مسيرة الأربعين) لأرحّب بهم وأدعو لهم بالقبول الإلهي وأغبطهم –حيث وفّقوا للزيارة وكنّا نحن محرومين منها- وأتقدّم بالشكر إلى الشعب العراقي الذي قام بالضيافة والاستقبال وأظهر المحبّة، واستطاع أن ينظّم ويدير هذه الحشود العظيمة طوال هذه الأيام. إنّ هذه الحادثة هي حادثة استثنائية وبالغة الأهمية.

دوام النعمة بالشكر
حسنًا، الآن ما هي النتيجة؟ أريد أن أقول إنّكم ترون يد القدرة الإلهية بوضوح خلف حوادث كهذه وتلمسون بركاتها؛ ينبغي تأدية الشكر. فإن شَكَرْنا الله تبقى هذه الظاهرة وإن لم نشكر فإنها تُسلب منّا. لو لم يشكر الشعب الإيراني نعمة الثورة، لزالت وسُلبت منه، كما حصل في بعض بلدان العالم، حيث جرت ثورات، ولم يكونوا يعلمون كيف يشكرون، فخسروا الثورة؛ لم تُسلب منهم الثورة فقط، إنّما تراجعوا للوراء وتخلّفوا عشرين أو ثلاثين سنة أيضًا! لقد شكر الشعب الإيراني وقدّر الجميل. ليس الشكر فقط أن يقول الإنسان "إلهي لك الشكر"، أو يسجد سجدة شكر، الشكر هو أن ينهض الإنسان للعمل بمقتضيات هذه النعمة؛ لقد عمل الشعب الإيراني بهذا. لقد شارك هذا الشعب في كل الميادين وحضر حيث كان يلزم الحضور، لقد ضحّى هذا الشعب حيث كانت التضحية مطلوبة، قدّم الروح والمال والأعزّاء والأبناء وماء الوجه، نزل بكل هذه التضحيات إلى الميدان. لا أقول إنّ كل واحد من أبناء الشعب الإيراني قام بهذا العمل، ولكن حشودًا عظيمة، وأكثرية جماهيرية تحركت وعملت هكذا، والله تعالى قد استجاب لها ونصرها؛ حفظ لها الثورة. إن الثورة اليوم أقوى بكثير من أيام انتصارها الأولى، فهي أشدّ قوة وأكثر قدرة على التخطيط للمستقبل.

اشكروا نعمة القيام بهذه المسيرة. من جملة أبعاد الشكر أن تحافظوا في أنفسكم على تلك الروحيات وتلك الحالات المعنوية –التي شاهدتموها وشعرتم بها في الأيام التي كنتم تمشون خلالها هناك-؛ تلك الأخوّة، ذلك الحنان، ذلك التوجّه نحو الولاية، ذلك الاستعداد للتعب الجسدي وتفضيل المشقّة والعرق والمشي على الراحة والكسل. يجب التحلّي بهذه الحالات في كل أمور الحياة؛ هكذا يكون الشكر.

من جملة فروع الشكر؛ أن نسهّل هذا العمل لكل الذين يعشقون هذه المسيرة، وتقع هذه المسؤولية على عاتق مدراء ومسؤولي القطاعات والأجهزة المتعدّدة في البلاد. تحصل أحيانًا بعض الحوادث؛ يجب عليهم ألا يسمحوا بتكرار هذه الأمور، فليقوموا بالوقاية واستباق الأحداث؛ هذا أيضًا من أقسام الشكر. وعلى أيّ حال، فلنعرف قدر هذه النعمة، فهي نعمة كبرى.

وإن شاء الله فإنها ستكون نعمة مستمرّة دائمة ومصدر عزّة وفخر ورفعة للشعب الإيراني والشعب العراقي. هناك في العالم من يسعى جاهدًا كي لا يرى الناس هذا النور الساطع ولكنّه لن ينجح، سوف يشعّ هذا النور ويراه العالم؛ إنّهم يحاولون إطفاءه أو تحريفه، لكنهم لن يحققوا أيًّا من أهدافهم؛ عندما تتابعون الحركة فلا بد أن تُظهر الحقيقة نفسها بنفسها وتبرز للجميع.

التعبئة؛ ظاهرة الثورة المدهشة
هناك مسألة أساس في كلامي اليوم حول التعبئة. إنّ التعبئة هي إحدى الظواهر المدهشة لعهد الثورة؛ لقد أُلهم الإمام العظيم من قِبَل الله أن يقوم بهذا العمل؛ حيث أعلن عن تشكيل تعبئة العشرين مليونًا ومنظمة التعبئة، كان عملًا عظيمًا جدّا. وبالأصل ما هو معنى هذا العمل؟ إنّ معناه أنّ الله تعالى قد علّم الإمام العظيم هذا الأمر، وألهمه بأن يودع مصير الثورة ومسؤوليتها بيد الشباب؛ ليس فقط شباب تلك الأيام. عندما ينزل الشباب إلى الميدان، فإنّ الأمانة التي أودعت بأيديهم والثقة التي مُنحت لهم، ستُحفظ، فهم سينقلونها من جيل إلى جيل ومن يدٍ إلى يد وعلى مرّ الزمن؛ وهذا ما قد حصل. لعلّ 90% منكم أيها الشباب الحاضرون هنا، لم يشهد زمان الإمام ولم يلتقِ بالإمام، أكثركم لم يحضر الحرب ولم يشاهدها، لكن الروحية الآن، هي تلك الروحية نفسها.

ولا أستند في كلامي إلى ما قاله هؤلاء الشباب الأعزاء هنا اليوم؛ كلا؛ فأنا على اطلاع وعلى تواصل دائم مع الشباب. إنّ روحيّة ومعنويات شبابنا اليوم هي نفسها التي كان يتحلّى بها شباب تلك الأيام؛ مع هذا الفرق وهو أنّ أولئك الشباب كانوا وسط لهيب الثورة، الظروف اليوم ليست هكذا، ومع هذا فإنّ تلك الروحية موجودة. الفرق الآخر أنّ البصيرة والوعي والتجربة التي يتمتّع بها شبابنا اليوم، لم تكن موجودة في تلك الأيام؛ وهذا يدلّ على أنّنا تقدّمنا إلى الأمام. لقد أودع الإمام مصير الثورة عندكم أيها الشباب؛ وكل مجموعة شبابية، كل جيل، عندما يعبر الشباب نحو منتصف العمر، فإنه في الواقع يسلم هذه الأمانة إلى الجيل التالي وهذه السلسلة لا حدّ لها ولا نهاية.

..
واجب الجميع أيضًا!
وبالتأكيد، حين نقول إنّ الإمام حمّل مسؤولية حفظ الثورة وحراستها للشباب، فهذا لا يعني أنّ الباقين من غير الشباب لا يتحمّلون المسؤولية ولا واجبات عليهم؛ كلا، هذا واجب الجميع؛ من العجوز الثمانينيّ والأكبر سنًّا وصولًا للفتيان والفتيات، من الرجال إلى النساء، من النخب وغير النخب، كل أفراد الشعب وأبناء البلاد تقع على عاتقهم مهمة المحافظة على ثورتهم؛ هذا واجبنا جميعًا؛ لكن الشباب هم الروّاد، هم "مولّد" الحركة. لو لم يحضر جيل الشباب ولم يرد ولم يتحرّك ويعمل، لتوقّفت الحركة؛ إن فكر الشيوخ وتجربتهم تنزل إلى الواقع وتتحقّق عندما توجد حركة الشباب الفتيّة؛ روّاد هذه الحركة هم الشباب. بناءً على هذا، فأنتم أيها الشباب الذين لم تروا الإمام، مخاطبو الإمام، لقد تكلّم الإمام معكم وتوجّه إليكم. راجعوا كلام الإمام وطالعوه. هذه مسألة.

﴿إنّ الله مع الذين اتّقوا﴾
هناك نقطة أخرى، وهي أنّ حركة التعبئة في بلدنا منتصرة حقًّا. الشرط الأساس لهذا الانتصار، هو أن نعتبر جميعنا -الشباب وغير الشباب- أنّ التقوى وحسن العمل واجب ومسؤولية علينا. التقوى الشخصية والتقوى الاجتماعية والجمعية، لكلّ منها معناه الخاص؛ لقد تحدثت سابقًا عن التقوى الجمعية وأسهبت في الكلام ولا أريد الآن تكرار ما قلت. إنّ التقوى أمر مطلوب وضروري، راقبوا أنفسكم؛ قوموا بالمراقبة الشخصية وكذلك بالمراقبة الجمعية. إذا حصل هذا، فالله سبحانه يقول: "إنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" (3) الذين يتقون والذين يحسنون العمل سيكون الله معهم. حين يكون الله مع جماعة ما، فإنّ هذا أمر بالغ الأهمية.

انظروا! إنني أضرب لكم مثالًا من القرآن ومن التاريخ القرآني: لقد أمر الله تعالى موسى وهارون أن يذهبا إلى فرعون، حسنًا، كان عملًا عظيمًا جدًّا أن يقوم شخصان لوحدهما فيذهبان لمواجهة القوة العظمى في ذلك الزمان؛ كانت القوة الفرعونية قوة عظيمة جدًّا –على المستوى السياسي والاجتماعي وحتى على مستوى التأييد بين الجماهير، وكذلك في مجال التشكيلات الإدارية، حيث إنّ هناك كثيرًا من التفاصيل حول القوة الفرعونية –كان فرعون ظاهرة عجيبة؛ قدرة مستبدة "فعّال لما يشاء"؛ رغم كل هذه الإمكانات والمقدّرات؛ يأمر الله تعالى شخصين بأن اذهبا وواجها الفرعون. قال موسى لله: يا إلهي من الممكن أن نذهب فنتعرّض مثلًا للقتل ولا يتمّ إنجاز المهمة –لم يكونا خائفين من القتل بل يخشيا أن لا يُتابع العمل ولا تُنجز المهمة- "قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى"(4). لاحظوا؛ هذه هي المعيّة الإلهية: "إنني معكما أسمع وأرى". حين يقول الله "إنّ الله مع الذين اتقوا"، والتي ذكرتها لكم بأننا إن تحلّينا أنا وأنتم بالتقوى، فسيكون الله معنا –هذه المعيّة الإلهية وكون الله معنا، تعيّن أنه يمكن إرسال شخصين بأيد خالية لحرب فرعون!

"
هذه هي المعيّة"
النبي موسى نفسه في مكان آخر –وتكرّر هذا في القرآن وسأذكر موردًا آخرًا- عندما وصل الأمر إلى المواجهة وإلى التحدي العلني وجَمع بني إسرائيل وقت السحر، عند الفجر، أو منتصف الليل، تحرّكوا وخرجوا من المدينة للفرار والخلاص من شرّ فرعون، عند الصباح وبعد شروق الشمس، أخبر الجواسيس فرعون أنّ بني إسرائيل قد تركوا المدينة ورحلوا بأجمعهم؛ هنا ارتبك فرعون وفكّر كيف أنهم سيرحلون إلى مكان آخر وينظمون قواهم هناك ويصبح لديهم كيان قوي؛ قال اجمعوا الجيوش وانطلقوا وراء بني إسرائيل؛ ولا أعرف كم كانت المسافة بين الفريقين، لعلها مسيرة يوم أو يومين أو أكثر أو أقل. حسنًا، إن بني إسرائيل كانوا مشاة وعزّل يفتقرون إلى العتاد والعدّة- مجموعة من الناس، رجالًا ونساءً وأطفالًا- أما جماعة فرعون فلديهم السلاح والخيول والتجهيزات العسكرية وكل شيء؛ بالطبع سيصلون إليهم بسرعة؛ وهذا ما حصل فقد وصلوا إليهم. حين شاهد أصحاب موسى عن بعد جيش فرعون قالوا يا ويلنا! ارتبكوا وخافوا. كما ذكر القرآن- في سورة الشعراء- "فلما تراءا الجمعان" أصبح جيش فرعون قريبًا جدًا من جماعة النبي موسى وشاهد بعضهم بعضًا "قال أصحاب موسى إنا لمدركون"(5)؛ أصابهم الخوف وقالوا يا موسى سيصلون إلينا ويأسروننا ويبيدوننا في مجزرة جماعية، فماذا أجابهم موسى؟ قال: كلا، لن يحصل هذا أبدًا؛ لماذا؟ إن معي ربي، هذه هي المعية. الله معي، ربي معي: " كلا إن معي ربي سيهدين"(6). لاحظوا! المعية الإلهية مهمة إلى هذه الدرجة. حينما يقول تعالى "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"، يجب معرفة قدر نعمة هذه المعية. إن استطعنا، أنا وأنتم أن نحفظ هذه المعية الإلهية، فاعلموا أنه ليس بإمكان أمريكا، بل أيّ قدرة حتى لو كانت أقوى من أمريكا بعشرة أضعاف، أن تتغلّب على هذه القوة التي يكون الله معها.

أنا العبد سأطرح بضعة عناوين عامة حول التعبئة. أنتم إخوة وأخوات تتولون مسؤوليات في الأقسام المتعددة للتعبئة؛ كل واحد من هذه العناوين العامة بحاجة إلى شرح وتوضيح- ليس لدينا الوقت المطلوب الآن ولا المجال اللازم- وبحاجة أيضًا إلى تخطيط برامج وإعداد آليات. سأذكر هذه العناوين الرئيسة وأترك الباقي على عاتقكم.

-
تلازم التعبئة مع البصيرة
أحد العناوين، أن التعبئة ليست حركة انفعالية عاطفية صرفة، التعبئة ترتكز على العلم والفهم، تعتمد على البصيرة. حقيقة التعبئة في الواقع هي هكذا ويجب عليها أن تتحرك في هذا الاتجاه. إن كانت مسألة مشاعر فقط، فإن المشاعر والعواطف تتغير عند مواجهة أي أمر ولو كان بسيطًا. هناك عدد من الأشخاص التحقوا في بداية الثورة بشغف وحيوية بهذه المسيرة ولكن الدافع كان المشاعر والأحاسيس؛ لم يكن نابعًا من عمق الفهم الديني. وقد كان لي علاقة وتواصل مع بعض هؤلاء، كنت أعرف هؤلاء في الجامعات وخارج الجامعات؛ لم يكونوا يتحلّون بالعمق الديني. وكانت النتيجة أنهم وبسبب معاشرتهم وصداقتهم لبعض الأفراد المخالفين للثورة اتخذوا مواقفَ مخالفة للثورة- زاوية هذه المخالفة تبدأ صغيرة ضيقة جدًا ثم تتسع وتكبر ويتضاعف الشرخ كلما تقدم الإنسان وطال الخط الذي يرسمه- إلى أن صاروا في مواجهة الثورة. تتلازم التعبئة مع البصيرة. حين أكدت أنا العبد على مفهوم البصيرة عام 88 هـ.ش (فتنة 2009م)، انزعج بعضهم وغضبوا كثيرًا، وأطلقوا النقد الساخر وأساؤوا القول وكتبوا المقالات اعتراضًا على تأكيدنا على البصيرة، وهذا هو السبب؛ البصيرة مهمة؛ العلم والفهم مهمان.

-
تيّار يجري باتجاه أهداف الثورة
ثانيًا؛ التعبئة ليست منتمية للأجنحة؛ هي ليست واحدة من جناحين سياسيين أو ثلاثة أو أربعة أجنحة سياسية داخل البلاد. التعبئة هي جيش الثورة، التعبئة مُلك الثورة. إن كان ثمة تعارض وتضاد بين الثوريين والمعادين للثورة فالتعبئة تؤيد الثوريين؛ حتى الإنسان غير الثوري يمكن استقطابه ولديه قابلية للجذب؛ أنا العبد أؤمن بالجذب في حدّه الأقصى، بالطبع بأساليبه المناسبة، وليس أن نقوم بأي عمل باسم الجذب بالحد الأقصى، فيكون هناك ثورة وضد الثورة ـ فكل جناح أو إنسان يؤمن بالثورة، ويكون في خدمة الثورة ومتابعًا للثورة، فالتعبئة تكون مؤيّدة له أيضًا. أي إنّه ليس صحيحًا بأن نعتبر التعبئة جزءًا من هذا الجناح أو ذلك الجناح من الأجنحة السياسية داخل البلاد؛ كلا، التعبئة بحد ذاتها هي تيار، التعبئة شاطئ عظيم يجري ويتجه نحو أهداف الثورة.

- "
تعبئة الفئات" بانسجامٍ وتنسيق
النقطة الأخرى؛ هي أن التوسع والازدياد مطلوب في التعبئة. أي إنّه ينبغي حضور مختلف فئات الشعب في التعبئة؛ على الجميع أن يكونوا مشاركين حاضرين، تعبئة الفئات، التلاميذ وطلاب الجامعات والعمال وأساتذة الجامعات والتجار والحقوقيين وغيرهم الكثير الكثير. هذا هو التوسع والنمو الأفقي للتعبئة. بالتأكيد فالشرط الأساس لهذا الأمر هو التنسيق فيما بين هذه الأقسام. من الأعمال المطلوبة التي أوصي بها أنا العبد- نقولها هنا وفي حضور المسؤولين- ويجب القيام بها، إيجاد آليات حاسمة للتنسيق والانسجام ولتنمية وتوسيع هذا المستوى الأفقي. بناءً عليه، فإن التعبئة لديها خط أفقي- هذا أولًا- ومن ناحية أخرى تحتاج إلى مجموعات تفكير، بحاجة إلى هداية عامة. هذه الهداية- التي سأتحدث عنها لاحقًا- هي خط عمودي، وسأتناول فيما بعد دور هذا الخط العمودي. يوجد في التعبئة خط أفقي وخط عمودي أيضًا. فهي ليست مثل المنظمات العسكرية المعروفة أو التشكيلات الإدارية التي تنحصر فقط بخط عمودي وليست كذلك مثل مجموعات الخدمة الشعبية التي تتشكل فقط من خط أفقي. التعبئة لديها خط عمودي وكذلك خط أفقي؛ كلّ منهما ضروري ومطلوب بشكل معين لتشكيل التعبئة.

-
مظهر السيادة الشعبيّة الدينيّة
النقطة التالية أن التعبئة هي تحقّقٌ للسيادة الشعبية الدينية. عندما نقول بالسيادة الشعبية الدينية أو السيادة الشعبية الإسلامية، يخال بعضهم بأن هذه السيادة الشعبية تتمثل فقط في صناديق الاقتراع وعملية الانتخابات؛ هذا أحد تجليات السيادة الشعبية الدينية. إن السيادة الشعبية الدينية تعني أنّه على أساس الدين والإسلام، الشعب هو السيد في حياة المجتمع؛ هذا هو معنى السيادة الشعبية؛ هذا معنى السيادة الشعبية الإسلامية. التعبئة في جميع المجالات هي مظهرُ السيادة الشعبية الدينية والسيادة الشعبية الإسلامية. إذا دخلت التعبئة هكذا في الاقتصاد، فإن الاقتصاد سيتحول إلى سيادة الشعب؛ هذا ما طرحه السادة هنا وهو صحيح بالكامل. هذا الاقتصاد المقاوم الذي دعونا إليه، إذا تمكّن من الاستفادة من قوة التعبئة وقدرتها، يصبح اقتصادًا مقاومًا وسيادة شعبية؛ وهكذا هو الأمر في مجال العلم، وكذلك في مجالات التقدم الاجتماعي المتنوعة، وهكذا في السياسة؛ التعبئة هي مظهر السيادة الشعبية الدينية.

-
الحاجة إلى "لجان مفكّرة"
هناك نقطة أخرى حول ما ذكرناه عن هيئات التفكير، إنني أصر على عدم استعمال كلمة "غرفة الفكر" التي يطلقها ويستخدمها الأجانب. "غرفة الفكر" هي تعبير أجنبي، يأتي السادة ويجلسون فيبدلون الكلمات الأجنبية في ترجمة حرفية إلى اللغة الفارسية، ثم يكررون استخدام هذه الاصطلاحات. كذلك فإن "لجان مفكرة " أكثر بلاغة ودلالة من "غرفة الفكر". نحن بحاجة إلى "هيئات مفكرة" أين؟ في نقطتين: إحداهما في الرأس، والأخرى في الطبقات. طبقات التعبئة متعددة. الآن وهنا حين يقول الشباب نحن متحمّسون ومشتاقون للجهاد فأرسلونا للقتال ولماذا لا ترسلوننا، هو تعبير عن الحرب الصلبة؛ فمن الحرب الصلبة التي تحتاج إلى لجنة [هيئة] مفكّرة لترسيم وتحديد إطار هذا العمل وحدوده؛ من يذهب إلى الجبهة، متى يذهب، كيف يذهب، وصولًا للحرب الناعمة فهي ساحة واسعة جدًا وتتوسّع وتكبر يومًا بعد يوم بواسطة هذا الفضاء الافتراضي وهي أخطر بكثير من الحرب الصلبة؛ ففي الحرب الصلبة تضرّج الأجسام بالدماء ولكن الأرواح تحلّق وتدخل إلى الجنة؛ أمّا في الحرب الناعمة، إذا ما انتصر العدو لا سمح الله، فإن الأجسام ستنمو وتبقى سليمة، ولكن الأرواح تسقط إلى قعر جهنم؛ هذا هو الفرق؛ ولهذا فهي أخطر بكثير من الحرب الصلبة- هناك ضرورة لوجود "لجنة مفكرة". حتى [أعمال]البناء حيث أن التعبئة مشغولة في بعض المناطق بالبناء والإعمار؛ وصولًا كذلك إلى المهام الجغرافية- ما يطلق عليه التوزيع المناطقي؛ حيث يمكن للتعبئة أن تنجز عملًا ما في مكان ما من البلاد ولا يمكنها القيام بهذا العمل في نقطة أخرى أو لا ينبغي أن تقوم به- كل هذا يجب أن يتم بذكاء ووعي شديدين ويتطلب وجود لجنة مفكرة.

كل واحد من هذه الطبقات المتعددة وطبقات أخرى غيرها، يلزمها "هيئة مفكرة" خاصة بها.

مضافًا إلى هذا، نحن نحتاج إلى "هيئة مفكرة" في أعلى مستويات التعبئة ليجتمع أعضاؤها وليحددوا "الخطوط العامة"، وليدوّنوا الخطط العامة - وهنا أيضًا، أنا لا أرغب باستخدام تعبير "الاستراتيجيا"؛ بل "المخطِّط العام"، التفكير بالخطوط الرئيسة - نحن نحتاج إلى مخططين للمسارات والخطط الرئيسة ، ليلتقوا ويكون عملهم هو هذا فقط؛ إن هذا من أهم الأعمال. تمامًا مثل المخططين العسكريين [في المسارات الرئيسة] في كل أنحاء العالم عادة، كما يقولون هم بأن الاستراتيجيين في العسكر يجلسون ويحسمون مصير الحرب ومسارها وكل الأعمال العسكرية. هذا أمر مطلوب، هذه أعمال يجب أن تنجز. عندما نقوم بهذه الأعمال، فإنكم وفي أي مجموعة تعملون فيها في التعبئة- سواء كنتم في "حلقة الصالحين " أو في " قوافل النور " أو في الثانوية أو الجامعة أو في أجواء العمل أو في المسجد- وحيثما كنتم تعملون في مجال التعبئة، تعتبرون أنفسكم أعضاءً فعالين في مجموعة حكيمة وهادفة في حركتها ومسارها، وهذا هو الشعور الذي سينتابكم حينها. ولا أقول مثل عضو من جسد؛ كلا، لأن أعضاء الجسد وإن كانت تتحرك كلها، ولكنها بأجمعها مؤتمرة بأمر الدماغ؛ فالدماغ هو الذي يقول للعين انظري وللأذن اسمعي وللسان تكلم ولغيره تحرك؛ الدماغ فعال. الأمر ليس هكذا في التعبئة، حيث ينطلق الأمر فقط من المركز فيقال لكم؛ تكلموا و... كلا، الأمر أشبه بأن يكون لكل عضو دماغه الخاص وبالتأكيد يكون منسجمًا متلائمًا أيضًا مع الدماغ الأساسي الموجود في الرأس- وبالطبع فإن هذا الانسجام له طرقه وأساليبه الخاصة- عندها سيكون لدينا حالة كهذه.

-
بحاجة إلى "لجان راصدة" أيضًا
إذا امتلكنا الجان المفكرة هذه وقمنا بتفعيلها، سنحتاج أيضاُ بجانبها، إلى لجان راصدة. ماذا ترصد؟ لأن التعبئة موجود متحرك، هي مجموعة حية، حيوية، دائمة النشاط والنمو، مستمرة في التقدم والريادة، يجب القيام بالرصد كي لا تتوقف التعبئة؛ يجب الرصد كي لا تسير في درب خاطئ، لا تنحرف؛ يجب الرصد كي لا تتعرض للآفات والمشاكل والأمراض، كي لا تنفذ الفيروسات المختلفة في التعبئة. جهاز الرصد مختلف عن أجهزة الأمن والحماية والمعلومات وغيرها؛ لا شأن لنا هنا بعمل تلك الأجهزة، فكل منها لديه الجهاز الحكيم والعاقل والذي يشبه شاشة مغناطيسية وكهربائية يجلس الإنسان أمامها ليشاهد الواقع في الخارج، ويرى ماذا يحدث.

هذه أمور مطلوبة؛ هذه أشياء لازمة لتقدم التعبئة وتكامل ونضوج ثمار هذه الشجرة الطيبة أكثر فأكثر. لأن هذه الشجرة شجرة طيبة فهي "أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها"(8) إذا أردتم أن تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فالمطلوب تحقيق هذه الأمور التي ذكرناها. حسنًا، ما ذكرناه عبارة عن خطوط عامة، وهي ليست أمورًا تحليلية وذهنية. كل هذه الأشياء المذكورة ناظرة إلى العمل، متطلعة إلى الواقع، كل منها لها شرح وتفصيل- كما ذكر سابقًا- كل منها بحاجة إلى صياغة آليات وبرمجة وهو ما يقع على عاتقكم، وعلى عاتق المسؤولين، يجب أن يجتمعوا ويجلسوا وينجزوا هذه الأعمال؛ هذه خطوط عامة ناظرة إلى العمل، ناظرة إلى الواقع ويجب أن تلقى الاهتمام اللازم.

خطة العدو: النفوذ إلى النموذج
وهنا أتعرض لنقطة على الهامش- والتي ذكرت في كلمات بعض الأصدقاء- وهي أن التعبئة كانت صانعة للنموذج؛ أوجدت التعبئة نموذجًا. استطاع هذا النموذج، ومن دون أية إعلانات وحملات إعلامية، ومن دون كتابة أي ورقة وتأليف أي كتاب أو إرسال نداءات إلى أحد، أن يشقّ طريقًا ويقدم نموذجًا بشكل طبيعي في قسم هام من العالم الإسلامي؛ أي أن التعبئة قدّمت نفسها وظهرت كنموذج. قام بعضهم بتقديمها كنسخة ووصفة للحل؛ بعضهم وصفها لأهداف جيدة وبعضهم وصفها لأهداف سيئة. فكان أن قاموا بتعبئة الشباب وإنزالهم إلى الميدان بدوافع دينية ومنحهم المسؤوليات والثقة بهم؛ أصبح هذا نموذجًا وقدوة. وعليه، فقد استفاد أصدقاؤنا في كثير من البلدان من هذا النموذج- ذكر السادة أسماءً، وأنا لا أريد ذكر أسماء بلدان- كذلك فعل الأعداء، جلسوا ووضعوا الخطط والبرامج الخاصة بالتعبئة ونموذجها. النفوذ هو أحد برامج الأعداء وخططهم. ولعلّي أنا العبد، منذ سنة أو أكثر وأنا أتكلم عن النفوذ (التسلّل). ينبغي الخوف من النفوذ، يجب المراقبة والانتباه للنفوذ. ولا يعني الخوف هنا بأن يشعر الإنسان بالخوف والرعب، وإنما أن تنتبهوا وتراقبوا؛ النفوذ بالغ الأهمية. من الطرق الأخرى التي يتبعها الأعداء، إيجاد الخطوط الموازية؛ أي خلق منافس للتعبئة؛ إنهم يقومون بمثل هذه الأعمال. ولا أريد الآن الدخول في التفاصيل ولكني أعرف ولديّ إطلاع عما يجري، ولعلّ بعضهم أيضًا يمتلك معلومات عن هذا الأمر، وهو أن الأعداء حاليًا يخلقون منافسًا للتعبئة، لشباب البلاد، لأولئك الذين سمّيتهم "ضباط الحرب الناعمة". إنهم يصنعون خطًا موازيًا لكي يصرفوا انتباه الشباب عن التعبئة ويجذبونهم إلى ذلك الخط. هذه قضايا هامة.

التعبئة عونٌ للأجهزة التنفيذية
حسنًا، إذا تم الاهتمام بهذه العناوين الرئيسة التي طرحناها- بالتأكيد هناك كلام وأفكار أخرى لا مجال لطرحها الآن- فعندها ستمتلك التعبئة هذه القدرة لتظهر بصورة قوية ومؤثرة في أكثر المجالات أهمية على كل الأصعدة في المجتمع؛ على صعيد العلم، وكذلك على صعيد الثقافة وعلى صعيد الاقتصاد أيضًا. حينما يقال "التعبئة بدون فرامل"(9) فهذا هو المعنى المقصود. وبعبارة أخرى: بإمكان التعبئة أن تدعم وتساعد الأجهزة المسؤولة سواء في التوجيه أو في وضع الأهداف وكذلك في العمل والتنفيذ. أي أننا حين نتحدث عن التعبئة ونطرح هذه المطالب ونذكر طاقات التعبئة وقدرتها، فنحن لا نقصد اختراع منافس للسلطة التنفيذية؛ كلا، فالسلطة التنفيذية لديها مسؤوليات ومهام عليها أن تقوم بها، هذا واجبها، ولكن يمكن للتعبئة أن تساعدها في التوجيه الصحيح، وفي الوقاية ومنع الخطأ والانحراف في المسير. وكذلك في العمل والتنفيذ؛ مثل هذا الاقتصاد المقاوم والذي أشار إليه بعض السادة. يمكن للتعبئة أن تكون مكملًا للعمل، يمكنها أن تعمل كباعث للأمل. تصاب بعض الأجهزة الرسمية باليأس والإحباط في بعض المجالات، فتقول: لا يمكن! كيف لا يمكن؟ لقد أنجزت كل هذه الأعمال الكبرى، ماذا يعني لا يمكن؟ يقولون: لا يمكن! حين تتقدم التعبئة، حين تتابع هذه القوى الشابة والرائدة حركتها الصحيحة، فإن ذلك الشخص اليائس والمكتئب سيصبح حينها نشيطًا ومؤمّلًا مستبشرًا.

بالتأكيد، أنا لا أريد أبدًا أن أبالغ، ولا أريد أن أقول إنّ التعبوي هو ملاك وهو بعيد عن حالات الضعف البشري، كلا؛ كلنا معرضون للضعف البشري؛ نصاب بالخوف، بالتردد، ولدينا ملاحظات وأعراض متعددة، لدينا مشاغل عائلية وضغوط اجتماعية، ولكن لا يوجد لدينا طريق مسدود، هذا ما أريد قوله. من الممكن أن يتعرض الشاب المؤمن التعبوي أحيانًا للخوف أو يتردد في مسألة خاصة، ولكنه لا يصل إلى طريق مسدود؛ والسبب أن هناك الكثير من عناصر الهداية وخلق القوة والتوجيه في التعبئة مما يجعله يستطيع أن يزيل نقاط الضعف هذه أو يبدلها إلى نقاط قوة.

حسنًا، إننا نشاهد اليوم وجود مشاكل في البلاد على الصعيد الاقتصادي؛ ونحن قد أطلقنا على هذا العام اسم "عام الإقدام والعمل" وبالأمس أرسل لي المسؤولون المحترمون تقريرًا مفصّلًا يضم لائحة من الأعمال التي أنجزت منذ مطلع العام وحتى الآن؛ أي أننا نحن طلبنا منهم، قلنا: في نهاية الأمر ماذا أُنجز في مجال "الإقدام والعمل". وقد وصلني تقرير مفصل وطالعته. يوجد فيه مجموعة من الإحصاءات ومجموعة من الأعمال المنجزة، غاية الأمر أنه يجب أن تُشاهد نتائج هذه الأعمال في ساحة الواقع بشكل عملي؛ ما هو مهم أن ترى نتائج هذه الإحصاءات عمليًا. وأنا قلت في أول العام إنه يجب أن نعمل بشكل يمكننا معه في آخر العام أن نقدم لائحة نقول فيها لقد أنجزنا هذه الأعمال، وهذه آثارها ونتائجها عمليًا وفي واقع المجتمع؛ ولا يكون الأمر أن نقدم مجرد تقرير. إن بوسع التعبئة أن تقوم بدور هام في تحقيق هذا الهدف.
وفي ختام كلامي، أقول جملة حول هذه المسائل التي لدينا مع هذه الحكومة المستكبرة. بالطبع لم تشكل حتى الآن الحكومة المفترض أن تتولى مقاليد الحكم؛ وهي تشبه البطيخة التي لا نعلم حتى الآن ماذا يوجد في داخلها وكيف ستكون، ولكن هذه الحكومة الموجودة حاليًا- الحكومة الأمريكية الحالية- تعمل على خلاف ما تعهدت به وبعكس القرارات المشتركة وما قال لنا المسؤولون حينها أنهم سيقومون [الامريكيون] به.

وأرى من الضروري هنا أن أذكر بأنهم قاموا بأعمال متعددة، حالات نقض ومخالفات كثيرة، ليست واحدة أو اثنتين، كان آخرها تمديد الحظر والعقوبات لمدة عشرة أعوام، ماذا حصل لهذا التمديد، فهو نقض لـ"برجام" حتمًا- ولا شك في ذلك أبدًا- فليعلموا أن الجمهورية الإسلامية ستواجه هذا وتقوم بالرد المناسب عليه.

..
لا تخشى أيّ قوة في العالم!
كلامي في هذا المجال موجّه إلى المسؤولين وإلى الشعب، وهو أن هذا التوافق النووي الذي أسموه "برجام"، يجب ألاّ يتبدل إلى وسيلة للضغط من قبل العدو على الشعب الإيراني وعلى بلدنا كل فترة وأخرى؛ أي أننا يجب ألاّ نسمح بأن يضغطوا من خلاله. لقد قال مسؤولونا لنا إنّنا نقوم بهذا العمل ونخطو هذه الخطوة لرفع العقوبات؛ والآن، إضافة إلى أنهم (الأمريكيّين) لم ينجزوا بشكل كامل الأمور التي وعدوا بها وتعهّدوا بتنفيذ تلك الخطوات التي كان من المقرر القيام بها منذ اليوم الأول وقد مرت ثمانية أو تسعة أشهر، بل قاموا بنقض تلك العهود- وهذا ما يصرّح به مسؤولونا بشكل واضح؛ المسؤولون أنفسهم الذين تابعوا هذا العمل يعلنون بصراحة هذا الأمر- ليس هذا وحسب، وإنما يجعلون هذا التوافق وسيلة للضغط مجدّدًا على الجمهورية الإسلامية؛ كلا، إن الجمهورية الإسلامية وبالاعتماد على القدرة الإلهية والإيمان بقوة حضور الشعب، لا تخشى من أي قوة في العالم.

وإذا كان هناك من يتماهى مع روحية بني إسرائيل الضعيفة فيقول "إنا لمدركون" -وإنهم سيصلون إلينا ويذيقوننا الويل!- فإنّنا أيضًا وتأسّيًا بالنبي موسى نقول "كلا إن معي ربي سيهدين". اللهم! ضاعف هدايتك وأخذك بيد هؤلاء الشباب وجميع شباب البلاد وكل الشعب الإيراني يومًا بعد يوم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- في بداية هذا اللقاء -الذي عُقد بمناسبة الذكرى السنوية لتشكيل تعبئة المستضعفين (26/12/1979)- عرض اللواء محمد علي جعفري (القائد العام لحرس الثورة الإسلامية) واللواء محمد رضا نقدي (رئيس منظمّة التعبئة) مجموعة نقاط، وكذلك ثلاثة من الحاضرين تكلّموا باسم التعبويّين وعرضوا أفكارهم.
2-
بحار الأنوار، ج91، ص149 (مع اختلاف بسيط).
3-
سورة النحل، الآية 128.
4-
سورة طه، الآية 46.
5-
سورة الشعراء، الآية 61.
6-
سورة الشعراء، الآية 62.
7-
سورة النحل، الآية 128.
8-
سورة إبراهيم، جزء من الآية 24 و25.
9-
ضحك الحضور.

 

 

 

كلمة الإمام الخامنئي في حفل تكليف جمع من تلامذة المدارس في طهران_13-12-2016

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین، لا سیما بقیّة الله في الأرضین.

معنى حفل التكليف؟!
قدمتم خيرَ مقدمٍ أيها الفتية الأعزاء، أنتم أبناء هذا الشعب المتّسمين بسلامة العقل والذكاء اليوم، والذين ستكونون بإذن الله رجالَ مستقبل البلد ومدراءه. أبارك لكم أيها الأبناء الأعزاء والفتية الأحبّة دخولكم مرحلة التكليف الإلهي وحفل تكليفكم هذا.

أوّل ما ينبغي لنا الالتفات إليه، هو التساؤل عن معنى حفل التكليف؛ إنه يعني بلوغ الفتى مرحلة تؤهّله لأن يكلّمه الله سبحانه وتعالى؛ التكليف يعني تلك المهمة التي يوكلها الله عزّ وجلّ إليكم، فإن نهضتم بها على أتمّ وجه، ستقتربون في حياتكم الشخصية والعائلية والاجتماعية من السعادة. هذا هو المراد من التكليف. إنه يعني المسؤولية الإلهية. فالانسان ما لم يبلغ مرحلة التكليف، لا يوجد لديه القابلية[1] لأن يحدّث الله سبحانه أو أن يحدّثه الله وأن يكلّفه بشيء. ولكنّكم حين تبلغون مرحلة التكليف، يعني أنكم قد اكتسبتم هذه الأهلية وهذه القابلية، هذه الشخصية لأن يخاطبكم الله العظيم، بارئ الكون والبشر، ويلقي إليكم المسؤولية، ويكرمكم. وإن حفل التكليف في الحقيقة هو حفل تشرّف الإنسان والفتى بساحة اللطف الإلهي وتوجه الله سبحانه إليه، فاعرفوا قدر ذلك.

البلوغ المعنوي..فترة بالغة الأهمية!
إنّ فترة حياة الإنسان، هي فترة أحداث لا تعدّ ولا تحصى. وإنكم بإذن الله ستعيشون في هذه الحياة الدنيا لعشرات السنين، وستشهدون أحداثاً، وترون الكثير من القضايا في حياتكم، وتجرّبونها، فإن كانت بُنيتكم المعنويّة قويّة، ستواجهون هذه الأحداث بشجاعة وشهامة، وتخرجون منها بشموخ وفخر واعتزاز، وستكتسبون كلا العزّتين؛ الدنيوية، وكذا المعنوية والإلهية، وهذا يبدأ من لحظة التكليف. وإنّ اللحظة التي تتكلّفون فيها وفترة البلوغ المعنوي، تعتبر فترة بالغة الأهمية.

وصايا القائد للبالغين مرحلة التكليف

- العلاقة بالله تعالى
يا أعزائي ويا أبنائي! إنني أوصيكم [ابتداءً]من هذه اللحظة ومن هذه الأيام والأشهر التي تشرّفتم فيها ببلوغ مرحلة التكليف أن تعزّزوا علاقتكم بالله سبحانه وتعالى. فإن النقيصة الكبرى التي مني بها العالم الغربي المادي، هي قطع علاقة الإنسان بالله، ولهذا تجدهم يعانون من انحطاط معنوي ومزالق أخلاقية جمّة، ويشعرون باليأس والإحباط، ويعيش شبابهم في تيه وحيرة، وباتت الحضارة الغربية تقترب يوماً بعد آخر من الزوال والاضمحلال؛ لأنهم قطعوا علاقتهم بالله. فإن السرّ في تكامل الإنسان شخصياً وتكامل المجتمع اجتماعياً، هو أن يتمكّن من الحفاظ على علاقته بالله، فحافظوا على علاقتكم معه.

- الصلاة الطريق الامثل
والطريق الأمثل لإيجاد العلاقة بالله في الدرجة الأولى هي هذه الصلاة التي تؤدونها. فحاولوا من هذه اللحظة ومن هذه المرحلة التي دخلتم فيها سنّ التكليف أن تؤدوا الصلاة بحضور قلب، ولكن ما معنى حضور القلب؟ يعني أن تشعروا، وأنتم في أثناء الصلاة، بأنكم تخاطبون ربكم العظيم وتتحدثون مع الله، فاسعوا لتحصيل هذا الشعور في نفوسكم. فإن المرء حين يتحدث مع الله سبحانه وتعالى، يعني أنه يستند إليه ويتوكل عليه، ويسأله ويطلب منه، وهذا الاعتماد والتوكل على الله، يمنح الإنسان شجاعة وقوة. وعليكم أن تسيروا في حياتكم بشجاعة وثقة بالنفس. والشجاعة والثقة بالنفس تُكتسَب من خلال الارتباط بالله. فحاولوا أن تؤدوا الصلاة في أول وقتها وبحضور قلب.

- الأنس بالقرآن
أعزائي! ينبغي لكم الأنس بالقرآن، وتلاوة ما تيسّر من القرآن - ولو بضع آيات - في كل يوم، والالتفات إلى المعاني والمفاهيم القرآنية. فإن القرآن هو الذي يهدي الإنسان إلى الصراط المستقيم: ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.

- كونوا مؤثرين في محيطكم
ويجب أن يكون لكم حضور مؤثر في بيئة المدرسة والبيت، بصفتكم فتيان تتسمون بالحيوية والنشاط والمثابرة والصفات الحسنة. فحاولوا أن تتركوا أثراً في من حولكم من أقرانكم وغيرهم، سواء في المدرسة أو البيت أو ساحة اللعب.
أعزائي! ثمة أعداء لشعبنا وبلدنا في الوقت الراهن، ويحاولون جاهدين الاستفادة من كلّ الطرق لبسط نفوذهم وهيمنتهم على البلد، بما في ذلك الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وإحدى الطرق التي يتّبعونها هي النفوذ والتغلغل في أوساط الشباب والناشئة، فالتفتوا إلى هذا النفوذ، وحاولوا أن تحصّنوا أنفسكم، و[ان تحصنوا] كلّ من له صلة بكم من زملاء الصف والدراسة واللعب، في قبال الأعداء.

- تسلحوا بالعلم؛ واهتموا بالسلامة البدنية؛ والمعنوية والفكرية؛ المطالعة النافعة!
وتسلّحوا بالعلم والمعرفة، فإني أوصيكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء بأن تحملوا الدراسة وتحصيل العلم على محمل الجدّ. وتوصيتي الأخرى هي أن تجدّوا في ممارسة الرياضة والاهتمام بالصحة الجسدية. فلا بد أن يتمتع شبابنا اليوم بالسلامة الجسدية والسلامة المعنوية والسلامة الفكرية معاً، وأن يحافظوا عليها. فتزوّدوا بالسلامة الجسدية عبر الرياضة والتغذية المناسبة، وبالسلامة المعنوية والقلبية عن طريق التوجه إلى الله والصلاة والدعاء والتوسل وذكر الشهداء، وتزودوا بالسلامة الفكرية من خلال مطالعة الكتب؛ استفيدوا من الكتب الجيدة والنافعة والفاتحة لآفاق جديدة والمرشدة التي كتبت بواسطة مفكّرينا ومؤلّفينا الجيدين ووضعت بين أيدينا.

فإنّ هذا سيؤدي إلى أن يتمتع جيلنا الناشىء بالسلامة الجسدية والسلامة المعنوية والروحية والسلامة الفكرية والعقليّة أيضاً، وهذا هو الذي سيضمن مستقبل البلد.

- تزكية النفس.. وشخصيات المستقبل
أحبائي! لقد خرجتم اليوم من فترة الطفولة والصِبا، ودخلتم في مرحلة الحداثة وبداية فترة الشباب، وتفتّح الاستعدادات؛ تحملون اليوم استعداداً كبيراً جداً للتعلّم وتزكية النفس، فاغتنموا هذه الفرصة، وقوموا بتزكية أنفسكم، سواء التزكية البدنية، أو التزكية المعنوية والروحية، أو التزكية الفكرية، بالطريقة التي ذكرتها. وبعد أن تسيروا أنتم الفتيان الأعزاء في ميدان الحداثة العظيم هذا وربيعه الغضّ بالشكل اللازم والصحيح، عندئذ يستطيع الإنسان أن يكون واثقاً بأن مستقبل البلد سيكون أفضل من حاضره، وستكونون أنتم رجال المستقبل ومدراء المستقبل ونشطاء المستقبل وشخصيّات المستقبل. فإن مستقبل هذا البلد لكم أنتم الجيل الناشىء، وأنتم من سيتولى إدارة هذا البلد وهذا الشعب وهذه الحركة وهذا التاريخ، فأعدّوا أنفسكم لذلك اليوم.

- الدعاء والتوسل وذكر الشهداء
أعزائي! لا تغفلوا عن التوسل والدعاء وذكر الشهداء. فإن شهداءنا الأعزاء وهم في ريعان الشباب، والبعض منهم في فترة الحداثة، كانوا مستعدّين للتضحية بأنفسهم من أجل خير البلد وصالحه وحفظ استقلاله ودفع أعدائه، وهذا أمرٌ بالغ الأهميّة. إنّ أسمى ما يمتلكه الإنسان هو عمره وروحه، ويحتاج إلى همة عالية وشجاعة كبيرة لأن يضحي بهما في سبيل الله.

- اقراوا كتب الشهداء والجرحى
إنني أوصيكم بقراءة الكتب التي أُلّفت حول الشهداء وكتبت عن جرحى الدفاع المقدس، وتناولت شخصياتهم، فإنها من جانب، كتب ممتعة وجذابة، ومن جانب آخر، تعرّفكم إلى الكثير من المسائل.

أبنائي الأحبة! أيّها الفتية الأعزاء! إنكم تمثلون باقة وردٍ في بستان هذا البلد الكبير، وهناك الملايين من أمثالكم في جميع أرجاء البلد، وأنتم الحاضرون في هذا اللقاء تشكلون نموذجاً عنهم. فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يغمركم وجميع الناشئة الأعزاء في كافة أقطار البلد بلطفه وفضله الدائم، وأن يوفّقكم لتحقيق حياة سعيدة لكم ولأبويكم ولمستقبل بلدكم. وبمناسبة ذكر الأبوين أقول لكم: إعرفوا قدر آبائكم وأمهاتكم، وحافظوا على احترامهم، وكافئوا ألطافهم، فإنهم يغمرونكم بالعطف والحنان، وعليكم ردّ هذا الجميل لهم.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته


[1] أو: الكفاية والأهلية.

 

الرزنامة


نيسان 2024
الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت
31 1 ٢٢ 2 ٢٣ 3 ٢٤ 4 ٢٥ 5 ٢٦ 6 ٢٧
7 ٢٨ 8 ٢٩ 9 ٣٠ 10 ٠١ 11 ٠٢ 12 ٠٣ 13 ٠٤
14 ٠٥ 15 ٠٦ 16 ٠٧ 17 ٠٨ 18 ٠٩ 19 ١٠ 20 ١١
21 ١٢ 22 ١٣ 23 ١٤ 24 ١٥ 25 ١٦ 26 ١٧ 27 ١٨
28 ١٩ 29 ٢٠ 30 ٢١ 1 2 3 4
لا أحداث

مواقع صديقة

Image Caption

جمعية المبرات الخيرية

Image Caption

مؤسسة امل التربوية

Image Caption

مدارس الامداد الخيرية الاسلامية

Image Caption

المركز الاسلامي للتوجيه و التعليم العالي

Image Caption

وزارة التربية والتعليم العالي

Image Caption

جمعية التعليم الديني الاسلامي

https://socialbarandgrill-il.com/ situs togel dentoto https://sabalansteel.com/ https://dentoto.cc/ https://dentoto.vip/ https://dentoto.live/ https://dentoto.link/ situs toto toto 4d dentoto omtogel http://jeniferseo.my.id/ https://seomex.org/ omtogel https://omtogel.site/