جاري تحميل الصفحة
مدارس المهدي
الخميس, 04 شباط/فبراير 2016 09:01

قصص من وحي الشهادة والجهاد

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

"إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون...فسبحان الّذي بيده ملكوت كلّ شيءٍ وإليه ترجعون...صدق الله العلي العظيم..." بذا ختمتِ السّورة فسُرّ الخامدونْ، أغلقتِ المصحف على صفحاته المبلّلة بدمع الجفونْ، ثمّ قبّلته وراحتْ تغسلُ القبرين بالماء وعبراتِ قلبها المحزون، واقفةً تُطهّر الأرجاء بالبخور والشوقِ المكنون، ما إنْ التقتْ عيناها بعينيِّ بعلِها الحنونْ، حتّى سألَته: "أَرَحَلوا؟" بصوتٍ أنهكته الشّجونْ، أجابَها وفؤادهُ بها مفتونْ: "ونحنُ راحلونْ".

             -أمرتاحون أم خائفون معذّبون؟

   ردّ ماسحاً دمع تلك العيون: "ما للشّهداء هذه الظّنون! إنّ أصحاب الجنّة اليوم في شُغلٍ فاكهون". فابتسمت وراحت بين القبرين تدور، في صدرها شوقٌ يفور، وفي عقلها فكرٌ يثور، يؤلمها التّفكير في كلّ الأمور...رغم مضيّ السّنوات بَقيَ ذاك الشّعور: شوقٌ للاثنين و دعاءٌ على الأعداء بالثبور. حتّى ذلك اليوم بقيت ذكراهم تُبكِيها، تندب أمّها، تشتاق لأخيها، فلا صدر أمٍّ يحضنها، ولا كتف أخٍّ يحميها، وحده وجود زوجها وإخوتها يحييها، وبقاء أبيها يعزّيها، فأنشدت ولوعة الفراق تدميها:

مالي كلما أحببت امرءًا عني يغيبْ       وكأن نبض قلبي يبعدُ الحبيبْ

ربّاهُ ذكراهم تعذّبني فإليك أنيبْ       هلّا شفيتَ  شوقي بحتفٍ قريبْ

آنها مسح حسن دمع جفنيها، قائلاً بعد تقبيل يديها:

هي الدّنيا أمرها عجيبْ             يومٌ جميلٌ آخر عصيبْ

ولكِ في قلبي مكانٌ رحيبْ        فداكِ روحي دعي النّحيبْ

لنا إمامٌ علينا رقيبْ  له            الشّوق يدمينا لطولِ المغيبْ

فصبرًا حبيبتي علّنا نُصيبْ       مع المهديّ نصرًا قريبْ

أو يكون لنا بالشّهادة نَصيبْ      سوياًّ لنداء الآل نُجيبْ

ثم غادرا جنّة الشّهداء، بعدما ودّعت أمّها "زهراء"، ولثمت قبر أخيها "علي"، طالبةً من روحهما الدّعاء...عند وصولهما إلى المنزل، سمعت صوت أبيها: "زينب، زينب..."،  دخلا فسألته لِمَ يناديها، نظرها مبتسمًا والفرحة في عينيه يخفيها، بعد أن سلّم عليها وأهّل فيها، أجاب: "كنت أبحث عن الهاتف لأزفّ إليكم النّبأ"

-خيرٌ إن شاء الله، ما النّبأ؟

-لقد وُقّعت الأوراق، وسأسافر بعون الله إلى الجمهوريّة الإيرانيّة لإجراء العمليّة الجراحيّة...

    أما في نفس زينب فكان للخبر وقعٌ آخر، أهو أملٌ عاد يحاكيها أم خوفٌ بات يسكنها؟! سألته وسمات الدّهشة تحويها: "حقًّا؟! متى؟!"

-الأسبوع المُقبل بإذن الله سيصحبني الشّباب من مؤسّسة الجرحى

أردف حسن: "وبإذنه ستُعافى زتعودنا بالفرحى".

   ما هي إلاّ لحظات حتّى دخل "عبّاس" و"فاطمة" بالثّياب المدرسيّة، وحضنا أختهما بشوقٍ وحنيّة، فبعد رحيل أمّهم وأخيهم، صارت الأمّ الرّؤوم والصّديقة الوفيّة...

    وسرعان ما سألها عبّاس: "أعلمتما بالعمليّة؟"، وفيما ابتسم حسن مجيبًا، ومضت كلماته لزينب ذكرى أمّها "زهراء" آن وضعت "فاطمة"، كانت إحدى ليالي الشّتاء، عندما أسرتهم عاصفةٌ ثلجيّةٌ بيضاء، غياب الشّمس عن مدينتها غيّب الهناء، فرسول السّلام جلب لهم الأيّام السّوداء... أثناء تلك العاصفة كان وضع أمّها قد ساء، وتعسّر عليهم  الجلاء، كم تمنّت آنها لو يحملها الهواء، فتصل إلى المشفى وتتماثل للشّفاء... لا زال صدى صراخها في أذنيها، وألم عذابها أمام عينيها، صوت وجع والدتها ملأ الأرجاء، وزينب –ابنة السّنوات السبّع- ما بيدها خلاصٌ سوى البكاء. غبار السّنوات الثّلاث عشرة يرقص على جرحها فلا تذكر إلاّ الدّماء...

    أمّا في غرفة العمليات فبدأت نهاية المأساة، على سرير الولادة مُثّلت مسرحيّة الفناء، حيث قدّمت الأمّ روحها لابنتها فداء، فذبلت بسمة الفرح بالولادة بدمعة الحزن على الوفاة، وكانت وصيّتها الأخيرة أن تُدفن في جنة الشّهداء، وكان لها ما تشاء، لعلّه شوقٌ سبقها، أو حدسٌ أخبرها بأن بكرها سيُدفن هناك،

 

وتكون الجنّة روضةً للقاء...

    ومع تلك الذّكرى، صفعت زينب عبرةٌ دافئة فأيقظتها وأعادتها إلى واقعها. كان الخوف يأكل خلاياها  والقلق يهزّ حناياها ... كونها ممرّضة تعلم مسبقاً بأن لا أمل يُرجى من العمليّة، وجهود الأطبّة ستكون هباءً منثورًا. فالجرح الّذي وسمته به حرب تمّوز الماضية، لم تدمله السّنوات السّبع السّابقة، بل دمست آلامه بين أعضائه الواهنة، من بعد الإصابة بات يعدّ أياّمه الباقية، أمّا آمال الشّفاء فجمّها واهية...

     بعد أسبوع، اجتمعت العائلة مجدّداً للوداع، كان "أبو عليٍّ" يعيش وزينب حالة الضّياع، وليُخبرها بخوالج فؤاده قال: "أعلم أنّ بلاد فارس ستكون لي مصرع، بيد أنّ لي في شفاعة الرّضا وزيارته مطمع، كما أعلم أنّ بالكم بالفراق مُروّع، لأجل راحتي يا أحبّـتي لا تدَعوا أعينكم تدمع ..." ختم مبتسماً.

وأحشاؤه عليهم تتقطّع، ثمّ رحل...رحل بعد أن نال كلّ واحدٍ منهم نصيبه من الوداع، وعزف الفراق على عظام صدورهم للحزن إيقاع، أخيرًا كان إلى "غريب طوس" الإقلاع... حيث جمال الدّنيا يصبح فناء، وملقى الغريب جنة البقاء.

     ودارت دوامة الأياّم، لتبدأ الحرب مع اللّئام، فما كان لعيون رجال "زينب(ع)" أن تنام، لذا شدّوا الرّحال، وقطعوا  الأميال، وزحفاً انطلقوا صوب الشّام، ليحاموا عن بضعة فاطمة وعقيلة الإمام، فاحتار "فخر" زينب بين بعلها وأخيها، كيف لا وكلاهما حماة المقام؟! أما فكرها فاختار الانفصام: نصفه في إيران والآخر في الشّام. 

     وفي إحدى اللّيالي لاح لها طيف منام، استيقظت لتسرح رواسب أحلامها في الظّلام، وتتأكّد أكان حُلماً أم مجرّد أوهام، فيما كان الأنام نيام أيقظت بسملتها أختها فاطمة الّتي بادرت بالسّؤال :"خيرٌ إن  شاء الله؟! ما رؤياكِ يا أختاه؟!"

-        رأيتها والّذي اسمه الرحمان والسّلام، بضعة الرّسول أقبلت من فوق الرّكام، حدثتني بأجمل الكلام، قالت لي: "إن عاد عبّاسك قبّلي كفيّ هذا الهُمام وزلّلي كلّ مصائبك بذكر الآل الكرام"، وإذ ما بكيتُ بين يديها، مسحتْ عبراتي براية قبّة المقام... ثم أيقظني صوت الآذان...

-        جعله الله خير الأحلام، فلنصلِّ وندعو لأخي المقدام ...

 بعد تأدية عمود الإسلام، وكالعادة معاهدة الإمامعج، انطلقت "زينب" إلى الدّوام. وفيما كانت تتطلّع على أخبار حرب الشّام، استحضرت كربلاء آن نُصبت عليها الأعلام، يومها غصبوا "فدك" واليوم يريدون المقام، اليوم يحرقون "سوريا" ويومها أحرقوا الخيام، فأين من أسلحتهم السيّوف، بل أين السّهام؟! وقد جئناهم في عشق الآل أيتام، يومها خانتنا العشائر والسِّوام، واليوم بحزبنا نبخرهم كما الغمام، فلا تعصى على الأُسد بعض الأغنام، سيرون بأمّ أعينهم عمق الهيام، اليوم تبيدهم بدايات ثورة الإمامعج ...

 ما إن وصلت إلى "قسم العناية"، حتى باشرت بالإطمئنان على المرضى، تاركةً الحظّ الأوفى من اهتمامها للجرحى، وعندما لدغت عقارب السّاعة الخانة الثّالثة، وصلتها رسالةٌ قصيرة من فاطمة، تقول فيها: "أسرعي بالعودة إلى الدّار، فقد عاد الزّوّار..." ومع إبصار أحرفها الجامدة، جمد الدّم في عروق القارئة، تتساءل عن الزّوار: زوّار زينب أم جريح الرّضا في إيران؟! وعبثاً حاولت معاودة الإتّصال، إذ انقطع الإرسال. كان دوامها قد شارف على الانتهاء، فبدّلت مريلتها البيضاء.وفيما كانت توقّع أوراق المغادرة، أُحضر جريحان، ومن إنشغالها بالرّسالة – دون الالتفات إليهما - غادرت المكان ...

وكانت المفاجأة على أعتاب الدّار، استقبلتها "فاطمة" ودمع عينيها يهطل كالأمطار على وجنتين حمراوين كالمرجان. حضنتها "زينب" ورفات الوجل فيها تلتهب كنار: "أختاه بوحي بالمكتوم من الأسرار، أطلعيني الأخبار، ما حال الزّوار ؟"

-درب الصّبر يا زينب مرّار، فاذكري "يتيمة محمدٍ" علها تُزيح عنك الأوزار, غاب يا أختي من كان بالأمس الرّكن و الدّار، روحه عرجت إلى السّماء و هامته هامدةً تأتينا من المطار ...

لكلمات "فاطمة" أحسّت "زينب" بالدّوار، متأمّلةً لو تتغيّر نتيجة الحوار، ما لبثت أن ومضت في عينيها الأنوار، و وقعت مغميّاً عليها فوق أوراق الأشجار ...لحظات و استعادت وعيها في حضن أختها   لتسمع عبارات التّرجيع و الاستغفار، تمنّت آنها لو يُحلّل الانتحار, فعلى ألم الفراق تُفضل الاحتضار . ها هي تقف مجدّدًا أمام عسف الأقدار، ترجو رحمة الباري مسلّمةً لقضاء القدّار. راحت تتساءل كيف تنام اللّيل و تقوم النّهار؟, قد رحل والدها و ثانيةً فاتها القطار,فإن سألتها ورود الدّار عن ساقيها بمَ تجيب الأزهار ؟ وكيف تُهدّئ روع يتيمةٍ نشب الحزن في قلبها أنيابه والأظفار؟ بل بمَ تجيب مقاومًا غادر ليمحو بصمة العار؟ "أبو عليٍّ" ورغم طول الإنتظار، استطاع اللّحاق بركب شهداء الانتصار. وكان أوّل من تذكّرته يتيمة المختار ع ": بضعة الرّسول رغم المعاناة أبت الإنهيار، وأنا اليوم أحاول الفرار ؟! هيهات ...حتّى آخر رمقٍ فيّ سأُكمل المشوار ..."قالت هذا مستجمعةً ما بقيَ من قواها، مُحاولةً الصمود والاستمرار ...

 

 سألتها "فاطمة" و تنهّدات البكاء تُكسّر صوتها ": أختي، كيف نخبر "عبّاس"؟، و متى تُشيّع الجنازة و نُعلم النّاس ؟ "

فأجابتها":إن حرارة رحيله حشرجةٌ تحبس هيام فؤادي, فصبرًا عليّ يا أنيسة أحزاني، أخاف أن يغدر بأخي العدوان، إن اعترى قلبه الأسى و الحنان، و عندما تصل جثّة أبي من إيران، نشيّعها و الأقارب  والجيران".

     و مع إشراقة اليوم التالي أزاحت ملكة البهاء بأصابعها الدّافئة بعضاً من ستائر السّماء الدّاكنة و ألقت بأشّعتها العسجديّة على غيومٍ متلبدّة فلوّنت أطرافها، أيلول عاد و ما من ارتحالٍ لصمته إلاّ عند الرّبيع، فالطّيور تركت له حيّزًا في السّماء ليستريح، و الأشجار أعرت أغصانها لتصافحه و الرّيح، وطيوره المهاجرة تؤكّد أنّ الرّحيل مكتوبٌ للجميع ... بالرّغم من أنّ اليوم عطلتها، فاجأ "زينب" اتّصالٌ من المشفى لمزاولة عملها، فأسرعت لتأدية واجبها, إذ اشتدّت المعركة و كَثُر جرحاها...

   -" آجرك الله على مجيئك يا "زينب", بالأمس أتانا جريحان كان وضعهما خَطِرًا، هلاّ اطمأنّيت عليهما؟" قالت لها زميلتها متابعةً عملها ... بينما كانت تنفّذ ما أُمليَ عليها، لفتها اسم "عبّاس" على باب أحدهما، هرعت إلى غرفته ليصدمها مقاومٌ مقطوع الكفين، مضمّد الرّأس، مُغمض العينين . عرفته...

 وكيف تجهل الحنونة أخاها ؟! إنّه هو حامي زينب، حبيب فاطمة. صرخت باسمه وهي صامتة، ووقفت دقائق أمامه واجمة ... ثم دنت منه ومقلتاها دامعتان، مقبّلةً جبينه قائلة ": بنفسي أنتِ مولاتي يا فاطمة، كيف أُنفّذ وصيّتكِ الآنفة؟ ولا كفوف أُقبّلها ولا أيدٍ ألثمها، ألا فانظري حال المقدام أمامي..."

        راحت "زينب" تنسج من الصّبر مناديل الدّمع، تشرب التّجلّد في كؤوس الأسى، وتعبّد بالحسرات دروب الرّحيل, باحثةً عن المرسى ... تُحمل الأياّم ما اعترى في نفسها، شاكرةً اللّه على المصاب الجليل, مُسلّمةً بأنها لم ترَ إلاّ الجميل. وكان اللّطف الإلهيّ عود "عبّاس" وإن كان جريح، وسلامة "حسن" بعد المحاماة عن أخت "الذّبيح".

     وأخذت "الرّوزنامة "تُقلّب صفحاتها، و تُغيّر تواريخ الأياّم و الأزمان، حتّى كان في بداية العام التّالي ما كان: إذ فُتحت الجبهة مجدّدًا مع العدوان، مع اللّعنة أبناء أبي سفيان، و ليُرَدّ عن الأهل جور السّفلة

والطّغيان، هبّ لإبادتهم شبابنا الشّجعان. فكيف نقف على الحياد والهلاك يهدّد لبنان ؟! أَنَهابُ موتاً

والسّلام كلّه في بياض الأكفان؟!

 الوجهة جليّة و"القصير" هي العنوان ... و كان "حسن" في طليعة الشّبّان, الهمّ وحده ردّ العدوان، فلا جبهة نصرةٍ تبقى ولا داعش ولا الجيش الجبان، كلهم سيعدمون برفّة جفنٍ لأبطالنا الفرسان ... فيسيطر رجال مقاومتنا على الميدان بنداء":لبّيك يا صاحب العصر و الزّمان".

     وهناك وقفت زينب تهزّ بصبرها الأركان، داعيّةً أن يتقبّل الكريم منها القربان. قد سلّمت الأمانات

وتسلّمت الأشجان، خاطبت قبور أحبّتها في جنة الرّضوان، و عيناها مع الدّمع ستنمهلان، قالت: "أقف على قبرك يا أبي، والذّكريات تمور في وجداني، هل تذكروني أم قد اعتراني دجى النّسيانِ ؟! أنا التي ثملت لياليّ من الأحزانِ، وتوقّف بعد رحيلكم زماني، فأضعت في هذه الدّنيا مكاني، داووا فؤادًا مكسورًا برؤياكم ينجبر، فعبراتي على فراقكم كالسّيل تنحدر، وفيّ بركان شوقٍ كلّ دقيقةٍ ينفجر..."

   في تلك اللّحظات استرعى انتباهها قبر أخيها "علي"، تذكّرت بسماته حين يلاعبها، ونظراته حين يحاكيها: "أخي، رحلت إلى الحرب ناسياً طريق الإياب، قتلك يهوديّ تموز يا خيرة الشّباب، و قد جئتك واقفةً أمام الأمواج العاتية لرياح الجفاء، فهل ستمخر سفينتك عباب هذا الفضاء؟ ما مضى لقاءٌ بلا فراق، خوفي أن يمضي فراقنا بلا لقاء..."

        أما حسن فكان يودّع جدران "مسجد الإمام عليع " و الأبواب . بعد أن صلّى ركعتين في المحراب، توضأت وجنتاه بدموع شوقٍ لسيّد الشّهداء، فكلّ ركنٍ في المسجد فيه عطر الدّماء . بالأمس كان حول "عبّاس الموسوي"يتجمّع الأتراب، منصتين بقلوبهم، مرتشفين بأعينهم كلمات الخطاب، و اليوم تراهم أعينًا تحرس جبالًا، ترعى الهضاب . يدنيهم للقائد توقٌ، أملٌ باللقاء ... قد ولد بين جدران الكعبة "أبو تراب",و السّيّد بارك ولادة أشباله في بيت الله، فكانت رصاصةٌ قضت على باقي الأحزاب, مثبتةً أنّ "حزب اللّه" للأبد هو الغلّاب.

    ثوان ٍو مزّق صفحات تفكيره نداءٌ باسمه الجهاديّ":تراب...زوجك بانتظارك". ما إن علم حتّى قبّل الأرجاء ببريق عينيه، مُلقياً على الرّفاق تحيّة أهل الجنّة، و أسرع لرؤية "زينب" التّي  كانت واقفةً  في حديقة المسجد كالزّهرة بعبائتها السّوداء، زهرةٌ في أيّار تفتّحت آن لامستها أشعّة ذكاء ... دنا منها فسمعها تتمتم بفاتحة الكتاب، عيناها على المقبرة تحدّث بصمتٍ الأحباب . و عندما أبصرته ابتسمت مسلّمةً بعينيها قبل الكلام, في تلك العينين كان "حسن" يفهم ما يعجز عنه بقيّة الأنام، يراها تلمع كالنّجوم وسط الظّلام، كيف لا و هي نفسه تشاطره الحياة و حتّى المرام...

   سألها ناظراً إلى بطنها ":كيف حال طفلنا الصّغير ؟" أجابت مبتسمة، و كأن مناها الوحيد أن تسمع ما استطاعت صوته الجميل، و كان لها ما تمنّت ":أتذكرين عندما زففت إليّ النّبأ ؟ كنّا هنا في احتفال ولادة الرّسول قبل سبعة أشهر، و قد نذرت الطّفل للمقام "

فضحكت ضحكةً خافتة قائلةً":أجل، أوأنسى واجبًا ؟.

-ما رأيكِ بتسمية المولود "محمّد"؟

-إن شاء الله يا أبا محمد ...

   ابتسم مطبقاً على شفتيه يروم وداعها، و تعصيه الكلمات في حضورها . سألته عيناها ساحبةً أحرفًا أخفاها، فقال ":يُذكر أنّ أمّ ياسر قبل شهادتهما، قالت للسّيّد":أنا حوريّتك يا سيّد في الدّنيا و الآخرة "

-و أنا حوريّتك يا تراب ...في الدّنيا و الآخرة .أ أتسمح لي أن أزور الجنّة في غيابك ؟

  مقبّلاً جبينها أجاب ":أخاف عليكِ أن تأتي وحدكِ,انتظري عودتي,وعدٌ لمقلتيك ما إن أصل حتّى نزورها سويًّا.."

     و مضى إلى الشّهادة، و مضت معه الأيّام، فكان في القصير ما لا يحمله لبّ عاقل، سيطر الشّباب على المداخل، و لم يبق من السّلفة السّفلة إلاّ القليل ليُقاتل .بيد أنّ مرور حربٍ دون شهداء كلامٌ باطل...فكلما ارتفعت وتيرة الحرب زاد الجرحى، و ارتفع شهداءٌ أفاضل .و"زينب" بقيت تزاول العمل رغم أنّها حامل، تسأل عيناها عن "حسن" كلّما وصل مُقاتل . تبكيه في عتمة اللّيل و نهارًا تناضل، تتصبّر بالغريبة و فداءً لعينيها تُكابر.كلما زُفّ شهيدٌ بدت كالورد الذّابل...

      و قبل أن تُطهّر الأرض بالكامل، جاءهم جريحٌ، في عينيه آلاف الرّسائل، أخرج من جعبته ورقةً طهرّها دمه السّائل، و سلّمها لزينب قائلاً أنّها من "تراب" . شمّت الرّسالة و قد غسل الدّم الّذي عليها دمع عينيها، ففيها عطر الجهاد و نسيم أرضٍ حُمل من كربلاء .قرأت بعد عبارات الحمد و الثّناء، و الحبّ و الشّوق للقاء :

   يوم الخميس الّذي يصادف بعد غد, سأحاول الاتّصال بكِ السّاعة السّادسة مساءً.حبيبتي أشهد بأنّك أدّيت جهادك في حسن التّبعّل و أحسنت، فادعِ لي أن يقبل الله جهادي.

       حملت أسفاري و جئتك متّكئًاً      أقدّم لكِ ما عبّرت عنه جراحي

       فاقرأي منّي أكان صوابًا أم خطأً     لعلّك تكونين متّكئي و سلاحي

       استعين به عند كلّ ضائقةٍ       مستبدلاً أياّم هزيمتي بناحي

       و كلمة حقٍّ تُقال في نهاية     لا حرمني الله منكِ يا حياتيب    

     فبعين بصيرتك أستبصر          و الصبر للقياكِ بات محرابي

               اعتني جيّدًا بنفسك، و بنفسي الّتي استودعتها فيكِ، محمّدنا...أحبّكِ  

                                                    تراب

      فجر الخميس استيقظ "كربلاء"صديق "حسن" على ترتيله لآيات القرآن، أنصت حتّى أنهى فسأله مبتسماً  ":أتصلّي قبل الآذان ؟"

-        ألا يحبّ الحبيب خلوة حبيبه؟!

-        أراك هائماً يا صديقي في هوى الخالق، أفلا تركت شيئاً للمخلوق ؟

ابتسم تراب مجيباً لسؤال صديق الحرب الجنوبيّ ":بلى..تركت الكثير,أسكنت الخالق حرم قلبي، و أعطيته لزوجٍ خلقها من نفسي ..."

-فليجرك الله من هؤلاء الأغبياء، إن سمعونا اقتلعوا قلبك لملاقاة الله...

    و بضحكةٍ علويّةٍ ختما حديثهما، و باشرا بمراقبة المكان، فهدوء اللّيلة الماضية يضعهم أمام خيارين :إمّا فرار المسلّحين أو تحضيرٌ للمعركة الأخيرة...تمركز الشّباب، كلٌ في موقعه ينتظر الأمر بالضّغظ على الزّناد.و عند سماع النّداء بتلبية مستأصل أهل التّضليل و الإلحاد، باشروا بتصفية أهل العناد.

     و قبيل السّاعة الخامسة تذكّر حسن وعده لزينب، فاغتم . كان المتوقّع أن يتوقّف إطلاق النّار قبل ساعة. أحسَّ "كربلاء " بانزعاج صاحبه، فزحف نحوه سائلًا  عمّا أهمّه . فما كان من الأوّل إلّا أن أخبره...قال كربلاء":لا عليك يا أخي، الآن نستأذن القائد المحوريّ و نعود إلى المركز آن يهدأ إطلاق النّار. لم يبقَ إلا خمسة ..." 

-        لا بأس، لن أترككم الآن، سنعود سويًّا بعد نصف ساعة بإذن الله..

بعد نصف ساعة، ساد الهدوء و غُلّف الفضاء بغبار القذائف، و لم يبقَ للتّكفيريّين سوى أثر الدّماء و الأشلاء، فحمل الشّباب جرحانا و الشّهداء. و بالتّكبيرات غادر الشّباب ... و بينما كانوا يهمّون بالمغادرة أبصر حسن قنّاصًا كالحيّة ملتفٌّ وراء عامودٍ على سطح إحدى البنايات...

  أمّا "زينب" فاستجدّ عملها و اضطرّت أن تبقى حتّى السّاعة . أوضاع الجرحى خطيرة و لن يتسنّى لها المغادرة قبل نصف ساعة . و عندما أنهت خرجت بثياب العمل، و استقلّت أوّل سيّارةٍ رأتها ...ما إن ترجلّت منها حتّى أسرعت دون الالتفات، فصدمت جانبها إحدى السّيّارات ...

      في تلك الأثناء، أطلق القنّاص رصاصته الغادرة لتخرق جمجمة "حسن" الّذي حاول جاهدًا ردّ الطّلقات عن أصدقائه، فكان درعًا لأجسادهم الطّاهرة و خوذةً لرؤوسهم التّقيّة ...وأمضت حياته أمام عينيه، و كان ثغرها المبتسم آخر ما أبصرته مقلتاه، فصرخ ":لبّيكِ... يا زينب " بملء شفتيه, و سقط مرتفعًا شهيدًا بعد أن أغمض النّجيع عينيه...

       إبّان ارتقاء روحه إلى السّماء, لعلّها التفتت إلى الوراء قائلة:

سألت روحي بعد طول عناء    كم أحببت في الكون من حوراء

أجابت و الرّوح تتنهّد فرحًا    هل للقلب متّسع لأكثر من ولاء؟

فرشت لها بين أجنحته وردًا      تفوّحت منه كلّ العنبر و الدّماء

جفّت عروقي و طعم بلسمها  سائحٌ  فاح عطره فوق كلّ الأرجاء

زينبٌ لكِ في القلب مرتبةٌ          لم يعتلها سواكِ من النّساء

لو كان السّبق لغيركِ لكنتِ أنت  خلاصة حبّي في الأرض و السّماء*

 و على السّرير في غرفة العمليّات، ابتسمت زينب و صرخ "محمّد" مستقبلًا آلام الحياة، و بقي أربعين يوماً تحت المراقبة حتّى تماثل للشّفاء، و ما لبثت ابتسامة اللّقاء إلا بضع ثوانٍ، قد أيقنت  زينب حينها أنه حان وقت الفراق، فاستودعت طفلها للدنيا تخلق له النّهار أماً و اللّيل أباً، تنهدت و امتثلت إلى الباري قائلة :"بحق ضلع الزّهراء لبيت لكِ الوفاء يا مولاتي يا زينب ".

 كانت هذه عبارة وداعها  و لسان حالها يجيب بعلها:

                         هات يدك و احملني إليكَ   فبعد الشّهادة يطيب اللّقاء

و أنا الملوعة قد رأيت كم  مزّقتني رياح الجفاء

فراشة قلبك  قد حلّقت  مسرعةً إليكَ تلبي النّداء

                    

"إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون...فسبحان الّذي بيده ملكوت كلّ شيءٍ و إليه ترجعون...صدق الله العلي العظيم..." بذا ختمتِ السّورة فسُرّ الخامدونْ، أغلقتِ المصحف على صفحاته المبلّلة بدمع الجفونْ، ثمّ قبّلته و راحتْ تغسلُ القبرين بالماء و عبراتِ قلبها المحزون، واقفةً تُطهّر  الأرجاء بالبخور و الشوقِ المكنون, ما إنْ التقتْ عيناها بعينيِّ بعلِها الحنونْ, حتّى سألَته ":أَرَحَلوا؟" بصوتٍ أنهكته الشّجونْ، أجابَها و فؤادهُ بها مفتونْ ":و نحنُ راحلونْ".

             -أمرتاحون أم خائفون معذّبون ؟

   ردّ ماسحاً دمع تلك العيون":ما للشّهداء هذه الظّنون !إنّ أصحاب الجنّة اليوم في شُغلٍ فاكهون ". فابتسمت و راحت بين القبرين تدور, في صدرها شوقٌ يفور, و في عقلها فكرٌ يثور, يؤلمها التّفكير في كلّ الأمور...رغم مضيّ السّنوات بَقيَ ذاك الشّعور : شوقٌ للاثنين و دعاءٌ على الأعداء بالثبور.حتّى ذلك اليوم بقيت ذكراهم تُبكِيها,تندب أمّها,تشتاق لأخيها، فلا صدر أمٍّ يحضنها، و لا كتف أخٍّ يحميها، وحده وجود زوجها و إخوتها يحييها,و بقاء أبيها يعزّيها,فأنشدت و لوعة الفراق تدميها":

مالي كلما أحببت امرءًا عني يغيبْ       و كأن نبض قلبي يبعدُ الحبيبْ

ربّاهُ ذكراهم تعذّبني فإليك أنيبْ       هلّا شفيتَ  شوقي بحتفٍ قريبْ

آنها مسح حسن دمع جفنيها، قائلاً بعد تقبيل يديها:

هي الدّنيا أمرها عجيبْ             يومٌ جميلٌ آخر عصيبْ

و لكِ في قلبي مكانٌ رحيبْ        فداكِ روحي دعي النّحيبْ

لنا إمامٌ علينا رقيبْ  له            الشّوق يدمينا لطولِ المغيبْ

فصبرًا حبيبتي علّنا نُصيبْ       مع المهديّ نصرًا قريبْ

أو يكون لنا بالشّهادة نَصيبْ      سوياًّ لنداء الآل نُجيبْ

ثم غادرا جنّة الشّهداء,بعدما ودّعت أمّها "زهراء",و لثمت قبر أخيها "علي"، طالبةً من روحهما الدّعاء...عند وصولهما إلى المنزل,سمعت صوت أبيها ":زينب,زينب..."، دخلا فسألته لِمَ يناديها، نظرها مبتسمًا و الفرحة في عينيه يخفيها، بعد أن سلّم عليها و أهّل فيها، أجاب ":كنت أبحث عن الهاتف لأزفّ إليكم النّبأ "

-خيرٌ إن شاء الله، ما النّبأ؟

-لقد وُقّعت الأوراق,و سأسافر بعون الله إلى الجمهوريّة الإيرانيّة لإجراء العمليّة الجراحيّة...

    أما في نفس زينب فكان للخبر وقعٌ آخر,أهو أملٌ عاد يحاكيها أم خوفٌ بات يسكنها ؟! سألته وسمات الدّهشة تحويها ":حقًّا؟! متى؟!"

-الأسبوع المُقبل بإذن الله سيصحبني الشّباب من مؤسّسة الجرحى

أردف حسن ":و بإذنه ستُعافى و تعودنا بالفرحى".

   ما هي إلاّ لحظات حتّى دخل "عبّاس"و "فاطمة" بالثّياب المدرسيّة,و حضنا أختهما بشوقٍ و حنيّة، فبعد رحيل أمّهم و أخيهم، صارت الأمّ الرّؤوم و الصّديقة الوفيّة...

    و سرعان ما سألها عبّاس":أعلمتما بالعمليّة؟"، و فيما ابتسم حسن مجيبًا,ومضت كلماته لزينب ذكرى أمّها "زهراء" آن وضعت "فاطمة",، كانت إحدى ليالي الشّتاء، عندما أسرتهم عاصفةٌ ثلجيّةٌ بيضاء,غياب الشّمس عن مدينتها غيّب الهناء، فرسول السّلام جلب لهم الأيّام السّوداء...أثناء تلك العاصفة كان وضع أمّها قد ساء، و تعسّر عليهم  الجلاء، كم تمنّت آنها لو يحملها الهواء، فتصل إلى المشفى و تتماثل للشّفاء ...لا زال صدى صراخها في أذنيها، و ألم عذابها أمام عينيها، صوت وجع والدتها ملأ الأرجاء، و زينب –ابنة السّنوات السبّع- ما بيدها خلاصٌ سوى البكاء.غبار السّنوات الثّلاث عشرة يرقص على جرحها فلا تذكر إلاّ الدّماء...

    أمّا في غرفة العمليات فبدأت نهاية المأساة، على سرير الولادة مُثّلت مسرحيّة الفناء,حيث قدّمت الأمّ روحها لابنتها فداء,فذبلت بسمة الفرح بالولادة بدمعة الحزن على الوفاة، و كانت وصيّتها الأخيرة أن تُدفن في جنة الشّهداء، و كان لها ما تشاء، لعلّه شوقٌ سبقها، أو حدسٌ أخبرها بأن بكرها سيُدفن هناك،

و تكون الجنّة روضةً للقاء...

    و مع تلك الذّكرى، صفعت زينب عبرةٌ دافئة فأيقظتها و أعادتها إلى واقعها.كان الخوف يأكل خلاياها  و القلق يهزّ حناياها ... كونها ممرّضة تعلم مسبقاً بأن لا أمل يُرجى من العمليّة, و جهود الأطبّة ستكون هباءً منثورًا . فالجرح الّذي وسمته به حرب تمّوز الماضية،  لم تدمله السّنوات السّبع السّابقة، بل دمست آلامه بين أعضائه الواهنة، من بعد الإصابة بات يعدّ أياّمه الباقية، أمّا آمال الشّفاء فجمّها واهية...

     بعد أسبوع، اجتمعت العائلة مجدّداً للوداع، كان "أبو عليٍّ" يعيش و زينب حالة الضّياع,و ليُخبرها بخوالج فؤاده قال ":أعلم أنّ بلاد فارس ستكون لي مصرع، بيد أنّ لي في شفاعة الرّضا و زيارته مطمع، كما أعلم أنّ بالكم بالفراق مُروّع، لأجل راحتي يا أحبّـتي لا تدَعوا أعينكم تدمع ..." ختم مبتسماً .

و أحشاؤه عليهم تتقطّع، ثمّ رحل...رحل بعد أن نال كلّ واحدٍ منهم نصيبه من الوداع, و عزف الفراق على عظام صدورهم للحزن إيقاع,أخيرًا كان إلى "غريب طوس" الإقلاع...حيث جمال الدّنيا يصبح فناء، و ملقى الغريب جنة البقاء.

     و دارت دوامة الأياّم، لتبدأ الحرب مع اللّئام، فما كان لعيون رجال "زينبع" أن تنام، لذا شدّوا الرّحال، و قطعوا  الأميال، و زحفاً انطلقوا صوب الشّام، ليحاموا عن بضعة فاطمة و عقيلة الإمام، فاحتار "فخر" زينب بين بعلها و أخيها,كيف لا و كلاهما حماة المقام ؟! أما فكرها فاختار الانفصام: نصفه في إيران و الآخر في الشّام .

     و في إحدى اللّيالي لاح لها طيف منام، استيقظت لتسرح رواسب أحلامها في الظّلام، و تتأكّد أكان حُلماً أم مجرّد أوهام، فيما كان الأنام نيام أيقظت بسملتها أختها فاطمة الّتي بادرت بالسّؤال ":خيرٌ إن  شاء الله ؟! ما رؤياكِ يا أختاه ؟!"

-        رأيتها و الّذي اسمه الرحمان و السّلام، بضعة الرّسول أقبلت من فوق الرّكام، حدثتني بأجمل الكلام,قالت لي":إن عاد عبّاسك قبّلي كفيّ هذا الهُمام و زلّلي كلّ مصائبك بذكر الآل الكرام"، و إذ ما بكيتُ بين يديها، مسحتْ عبراتي براية قبّة المقام...ثم أيقظني صوت الآذان...

-        جعله الله خير الأحلام، فلنصلِّ و ندعو لأخي المقدام ...

 بعد تأدية عمود الإسلام، و كالعادة معاهدة الإمامعج، انطلقت "زينب" إلى الدّوام . و فيما كانت تتطلّع على أخبار حرب الشّام, استحضرت كربلاء آن نُصبت عليها الأعلام، يومها غصبوا "فدك" و اليوم يريدون المقام، اليوم يحرقون "سوريا" و يومها أحرقوا الخيام، فأين من أسلحتهم السيّوف، بل أين السّهام؟! وقد جئناهم في عشق الآل أيتام ، يومها خانتنا العشائر و السِّوام، و اليوم بحزبنا نبخرهم كما الغمام, فلا تعصى على الأُسد بعض الأغنام، سيرون بأمّ أعينهم عمق الهيام، اليوم تبيدهم بدايات ثورة الإمامعج ...

 ما إن وصلت  إلى "قسم العناية"، حتى باشرت بالإطمئنان على المرضى, تاركةً الحظّ الأوفى من اهتمامها للجرحى، و عندما لدغت عقارب السّاعة الخانة الثّالثة، وصلتها رسالةٌ قصيرة من فاطمة، تقول فيها":أسرعي بالعودة إلى الدّار,فقد عاد الزّوّار..." و مع إبصار أحرفها الجامدة، جمد الدّم في عروق القارئة، تتساءل عن الزّوار : زوّار زينب أم جريح الرّضا في إيران ؟! و عبثاً حاولت معاودة الإتّصال،  إذ انقطع الإرسال . كان دوامها قد شارف على الانتهاء، فبدّلت مريلتها البيضاء.و فيما كانت توقّع أوراق المغادرة، أُحضر جريحان، و من إنشغالها بالرّسالة – دون الالتفات إليهما - غادرت المكان ...

و كانت المفاجأة على أعتاب الدّار، استقبلتها "فاطمة" و دمع عينيها يهطل كالأمطار على وجنتين حمراوين كالمرجان .حضنتها "زينب" و رفات الوجل فيها تلتهب كنار ":أختاه بوحي بالمكتوم من الأسرار، أطلعيني الأخبار، ما حال الزّوار ؟"

-درب الصّبر يا زينب مرّار، فاذكري "يتيمة محمدٍ" علها تُزيح عنك الأوزار, غاب يا أختي من كان بالأمس الرّكن و الدّار، روحه عرجت إلى السّماء و هامته هامدةً تأتينا من المطار ...

لكلمات "فاطمة" أحسّت "زينب" بالدّوار، متأمّلةً لو تتغيّر نتيجة الحوار، ما لبثت أن ومضت في عينيها الأنوار، و وقعت مغميّاً عليها فوق أوراق الأشجار ...لحظات و استعادت وعيها في حضن أختها   لتسمع عبارات التّرجيع و الاستغفار، تمنّت آنها لو يُحلّل الانتحار, فعلى ألم الفراق تُفضل الاحتضار . ها هي تقف مجدّدًا أمام عسف الأقدار، ترجو رحمة الباري مسلّمةً لقضاء القدّار. راحت تتساءل كيف تنام اللّيل و تقوم النّهار ؟, قد رحل والدها و ثانيةً فاتها القطار,فإن سألتها ورود الدّار عن ساقيها بمَ تجيب الأزهار ؟ و كيف تُهدّئ روع يتيمةٍ نشب الحزن في قلبها أنيابه و الأظفار ؟ بل بمَ تجيب مقاومًا غادر ليمحو بصمة العار ؟ "أبو عليٍّ" و رغم طول الإنتظار, استطاع اللّحاق بركب شهداء الانتصار. و كان أوّل من تذكّرته يتيمة المختار ع ": بضعة الرّسول رغم المعاناة أبت الإنهيار، و أنا اليوم أحاول الفرار ؟! هيهات ...حتّى آخر رمقٍ فيّ سأُكمل المشوار ..."قالت هذا مستجمعةً ما بقيَ من قواها، مُحاولةً الصمود والاستمرار ...

 

 سألتها "فاطمة" و تنهّدات البكاء تُكسّر صوتها ":أختي، كيف نخبر "عبّاس"؟، و متى تُشيّع الجنازة و نُعلم النّاس ؟ "

فأجابتها":إن حرارة رحيله حشرجةٌ تحبس هيام فؤادي, فصبرًا عليّ يا أنيسة أحزاني، أخاف أن يغدر بأخي العدوان، إن اعترى قلبه الأسى و الحنان، و عندما تصل جثّة أبي من إيران، نشيّعها و الأقارب  

و الجيران".

     و مع إشراقة اليوم التالي أزاحت ملكة البهاء بأصابعها الدّافئة  بعضاً من ستائر السّماء الدّاكنة و ألقت بأشّعتها العسجديّة على غيومٍ متلبدّة فلوّنت أطرافها، أيلول عاد و ما من ارتحالٍ لصمته إلاّ عند الرّبيع, فالطّيور تركت له حيّزًا في السّماء ليستريح، و الأشجار أعرت أغصانها لتصافحه و الرّيح، وطيوره المهاجرة تؤكّد أنّ الرّحيل مكتوبٌ للجميع ... بالرّغم من أنّ اليوم عطلتها، فاجأ "زينب" اتّصالٌ من المشفى لمزاولة عملها، فأسرعت لتأدية واجبها, إذ اشتدّت المعركة و كَثُر جرحاها...

   -" آجرك الله على مجيئك يا "زينب", بالأمس أتانا جريحان كان وضعهما خَطِرًا، هلاّ اطمأنّيت عليهما؟" قالت لها زميلتها متابعةً عملها ... بينما كانت تنفّذ ما أُمليَ عليها، لفتها اسم "عبّاس" على باب أحدهما، هرعت إلى غرفته ليصدمها مقاومٌ مقطوع الكفين، مضمّد الرّأس، مُغمض العينين . عرفته...

 و كيف تجهل الحنونة أخاها ؟! إنّه هو حامي زينب، حبيب فاطمة . صرخت باسمه و هي صامتة، ووقفت دقائق أمامه واجمة ... ثم دنت منه و مقلتاها دامعتان، مقبّلةً جبينه قائلة ":بنفسي أنتِ مولاتي يا فاطمة، كيف أُنفّذ وصيّتكِ الآنفة؟ و لا كفوف أُقبّلها و لا أيدٍ ألثمها, ألا فانظري حال المقدام أمامي..."

        راحت "زينب" تنسج من الصّبر مناديل الدّمع، تشرب التّجلّد في كؤوس الأسى، و تعبّد بالحسرات دروب الرّحيل, باحثةً عن المرسى ... تُحمل الأياّم ما اعترى في نفسها,شاكرةً اللّه على المصاب الجليل,مُسلّمةً بأنها لم ترَ إلاّ الجميل.و كان اللّطف الإلهيّ عود"عبّاس" و إن كان جريح، و سلامة "حسن" بعد المحاماة عن أخت "الذّبيح".

     وأخذت "الرّوزنامة "تُقلّب صفحاتها، و تُغيّر تواريخ الأياّم و الأزمان، حتّى كان في بداية العام التّالي ما كان:إذ فُتحت الجبهة مجدّدًا مع العدوان,مع اللّعنة أبناء أبي سفيان، و ليُرَدّ عن الأهل جور السّفلة

و الطّغيان، هبّ لإبادتهم شبابنا الشّجعان . فكيف نقف على الحياد و الهلاك يهدّد لبنان ؟! أَنَهابُ موتاً

و السّلام كلّه في بياض الأكفان ؟!

 الوجهة جليّة و "القصير" هي العنوان ... و كان "حسن" في طليعة الشّبّان, الهمّ وحده ردّ العدوان، فلا جبهة نصرةٍ تبقى و لا داعش و لا الجيش الجبان، كلهم سيعدمون برفّة جفنٍ لأبطالنا الفرسان ... فيسيطر رجال مقاومتنا على الميدان بنداء":لبّيك يا صاحب العصر و الزّمان".

     وهناك وقفت زينب تهزّ بصبرها الأركان، داعيّةً أن يتقبّل الكريم منها القربان . قد سلّمت الأمانات

و تسلّمت الأشجان، خاطبت قبور أحبّتها في جنة الرّضوان، و عيناها مع الدّمع ستنمهلان، قالت ":أقف على قبرك يا أبي، و الذّكريات تمور في وجداني، هل تذكروني أم قد اعتراني دجى النّسيانِ ؟! أنا التي ثملت لياليّ من الأحزانِ، و توقّف بعد رحيلكم زماني، فأضعت في هذه الدّنيا مكاني، داووا فؤادًا مكسورًا برؤياكم ينجبر، فعبراتي على فراقكم كالسّيل تنحدر، و فيّ بركان شوقٍ كلّ دقيقةٍ ينفجر..."

   في تلك اللّحظات استرعى انتباهها قبر أخيها "علي"، تذكّرت بسماته حين يلاعبها، و نظراته حين يحاكيها":أخي، رحلت إلى الحرب ناسياً طريق الإياب, قتلك يهوديّ تموز يا خيرة الشّباب، و قد جئتك واقفةً أمام الأمواج العاتية لرياح الجفاء، فهل ستمخر سفينتك عباب هذا الفضاء؟ما مضى لقاءٌ بلا فراق، خوفي أن يمضي فراقنا بلا لقاء..."

        أما حسن فكان يودّع جدران "مسجد الإمام عليع " و الأبواب . بعد أن صلّى ركعتين في المحراب، توضأت وجنتاه بدموع شوقٍ لسيّد الشّهداء، فكلّ ركنٍ في المسجد فيه عطر الدّماء . بالأمس كان حول "عبّاس الموسوي"يتجمّع الأتراب، منصتين بقلوبهم، مرتشفين بأعينهم كلمات الخطاب، و اليوم تراهم أعينًا تحرس جبالًا، ترعى الهضاب . يدنيهم للقائد توقٌ، أملٌ باللقاء ... قد ولد بين جدران الكعبة "أبو تراب",و السّيّد بارك ولادة أشباله في بيت الله، فكانت رصاصةٌ قضت على باقي الأحزاب, مثبتةً أنّ "حزب اللّه" للأبد هو الغلّاب.

    ثوان ٍو مزّق صفحات تفكيره نداءٌ باسمه الجهاديّ":تراب...زوجك بانتظارك". ما إن علم حتّى قبّل الأرجاء ببريق عينيه، مُلقياً على الرّفاق تحيّة أهل الجنّة، و أسرع لرؤية "زينب" التّي  كانت واقفةً  في حديقة المسجد كالزّهرة بعبائتها السّوداء، زهرةٌ في أيّار تفتّحت آن لامستها أشعّة ذكاء ... دنا منها فسمعها تتمتم بفاتحة الكتاب، عيناها على المقبرة تحدّث بصمتٍ الأحباب . و عندما أبصرته ابتسمت مسلّمةً بعينيها قبل الكلام, في تلك العينين كان "حسن" يفهم ما يعجز عنه بقيّة الأنام، يراها تلمع كالنّجوم وسط الظّلام، كيف لا و هي نفسه تشاطره الحياة و حتّى المرام...

   سألها ناظراً إلى بطنها ":كيف حال طفلنا الصّغير ؟" أجابت مبتسمة، و كأن مناها الوحيد أن تسمع ما استطاعت صوته الجميل، و كان لها ما تمنّت ":أتذكرين عندما زففت إليّ النّبأ ؟ كنّا هنا في احتفال ولادة الرّسول قبل سبعة أشهر، و قد نذرت الطّفل للمقام "

فضحكت ضحكةً خافتة قائلةً":أجل، أوأنسى واجبًا ؟.

-ما رأيكِ بتسمية المولود "محمّد"؟

-إن شاء الله يا أبا محمد ...

   ابتسم مطبقاً على شفتيه يروم وداعها، وتعصيه الكلمات في حضورها> سألته عيناها ساحبةً أحرفًا أخفاها، فقال ":يُذكر أنّ أمّ ياسر قبل شهادتهما، قالت للسّيّد":أنا حوريّتك يا سيّد في الدّنيا و الآخرة "

-و أنا حوريّتك يا تراب ...في الدّنيا و الآخرة . أتسمح لي أن أزور الجنّة في غيابك؟

  مقبّلاً جبينها أجاب ":أخاف عليكِ أن تأتي وحدكِ,انتظري عودتي,وعدٌ لمقلتيك ما إن أصل حتّى نزورها سويًّا.."

      مضى إلى الشّهادة، و مضت معه الأيّام، فكان في القصير ما لا يحمله لبّ عاقل، سيطر الشّباب على المداخل، ولم يبق من السّلفة السّفلة إلاّ القليل ليُقاتل .بيد أنّ مرور حربٍ دون شهداء كلامٌ باطل...فكلما ارتفعت وتيرة الحرب زاد الجرحى، و ارتفع شهداءٌ أفاضل .و"زينب" بقيت تزاول العمل رغم أنّها حامل، تسأل عيناها عن "حسن" كلّما وصل مُقاتل . تبكيه في عتمة اللّيل و نهارًا تناضل، تتصبّر بالغريبة و فداءً لعينيها تُكابر.كلما زُفّ شهيدٌ بدت كالورد الذّابل...

      وقبل أن تُطهّر الأرض بالكامل، جاءهم جريحٌ، في عينيه آلاف الرّسائل، أخرج من جعبته ورقةً طهرّها دمه السّائل، وسلّمها لزينب قائلاً أنّها من "تراب" . شمّت الرّسالة و قد غسل الدّم الّذي عليها دمع عينيها، ففيها عطر الجهاد و نسيم أرضٍ حُمل من كربلاء .قرأت بعد عبارات الحمد و الثّناء، و الحبّ و الشّوق للقاء :

   يوم الخميس الّذي يصادف بعد غد, سأحاول الاتّصال بكِ السّاعة السّادسة مساءً.حبيبتي أشهد بأنّك أدّيت جهادك في حسن التّبعّل و أحسنت، فادعِ لي أن يقبل الله جهادي.

       حملت أسفاري و جئتك متّكئًاً      أقدّم لكِ ما عبّرت عنه جراحي

       فاقرأي منّي أكان صوابًا أم خطأً     لعلّك تكونين متّكئي و سلاحي

       استعين به عند كلّ ضائقةٍ       مستبدلاً أياّم هزيمتي بناحي

       و كلمة حقٍّ تُقال في نهاية     لا حرمني الله منكِ يا حياتيب    

     فبعين بصيرتك أستبصر          والصبر للقياكِ بات محرابي

               اعتني جيّدًا بنفسك، و بنفسي الّتي استودعتها فيكِ، محمّدنا...أحبّكِ تراب

      فجر الخميس استيقظ "كربلاء"صديق "حسن" على ترتيله لآيات القرآن، أنصت حتّى أنهى فسأله مبتسماً  ":أتصلّي قبل الآذان ؟"

-        ألا يحبّ الحبيب خلوة حبيبه؟!

-        أراك هائماً يا صديقي في هوى الخالق، أفلا تركت شيئاً للمخلوق؟

ابتسم تراب مجيباً لسؤال صديق الحرب الجنوبيّ ":بلى..تركت الكثير,أسكنت الخالق حرم قلبي، و أعطيته لزوجٍ خلقها من نفسي ..."

-فليجرك الله من هؤلاء الأغبياء، إن سمعونا اقتلعوا قلبك لملاقاة الله...

    و بضحكةٍ علويّةٍ ختما حديثهما، و باشرا بمراقبة المكان، فهدوء اللّيلة الماضية يضعهم أمام خيارين :إمّا فرار المسلّحين أو تحضيرٌ للمعركة الأخيرة...تمركز الشّباب، كلٌ في موقعه ينتظر الأمر بالضّغظ على الزّناد.و عند سماع النّداء بتلبية مستأصل أهل التّضليل و الإلحاد، باشروا بتصفية أهل العناد.

     و قبيل السّاعة الخامسة تذكّر حسن وعده لزينب، فاغتم . كان المتوقّع أن يتوقّف إطلاق النّار قبل ساعة. أحسَّ "كربلاء " بانزعاج صاحبه، فزحف نحوه سائلًا  عمّا أهمّه . فما كان من الأوّل إلّا أن أخبره...قال كربلاء":لا عليك يا أخي، الآن نستأذن القائد المحوريّ و نعود إلى المركز آن يهدأ إطلاق النّار. لم يبقَ إلا خمسة ..." 

-        لا بأس، لن أترككم الآن، سنعود سويًّا بعد نصف ساعة بإذن الله..

بعد نصف ساعة، ساد الهدوء و غُلّف الفضاء بغبار القذائف، و لم يبقَ للتّكفيريّين سوى أثر الدّماء و الأشلاء، فحمل الشّباب جرحانا و الشّهداء. و بالتّكبيرات غادر الشّباب ... و بينما كانوا يهمّون بالمغادرة أبصر حسن قنّاصًا كالحيّة ملتفٌّ وراء عامودٍ على سطح إحدى البنايات...

  أمّا "زينب" فاستجدّ عملها و اضطرّت أن تبقى حتّى السّاعة . أوضاع الجرحى خطيرة و لن يتسنّى لها المغادرة قبل نصف ساعة . و عندما أنهت خرجت بثياب العمل، و استقلّت أوّل سيّارةٍ رأتها ...ما إن ترجلّت منها حتّى أسرعت دون الالتفات، فصدمت جانبها إحدى السّيّارات ...

      في تلك الأثناء، أطلق القنّاص رصاصته الغادرة لتخرق جمجمة "حسن" الّذي حاول جاهدًا ردّ الطّلقات عن أصدقائه، فكان درعًا لأجسادهم الطّاهرة و خوذةً لرؤوسهم التّقيّة ...وأمضت حياته أمام عينيه، و كان ثغرها المبتسم آخر ما أبصرته مقلتاه، فصرخ ":لبّيكِ... يا زينب " بملء شفتيه, و سقط مرتفعًا شهيدًا بعد أن أغمض النّجيع عينيه...

       إبّان ارتقاء روحه إلى السّماء, لعلّها التفتت إلى الوراء قائلة:

سألت روحي بعد طول عناء    كم أحببت في الكون من حوراء

أجابت و الرّوح تتنهّد فرحًا    هل للقلب متّسع لأكثر من ولاء؟

فرشت لها بين أجنحته وردًا      تفوّحت منه كلّ العنبر و الدّماء

جفّت عروقي و طعم بلسمها  سائحٌ  فاح عطره فوق كلّ الأرجاء

زينبٌ لكِ في القلب مرتبةٌ          لم يعتلها سواكِ من النّساء

لو كان السّبق لغيركِ لكنتِ أنت خلاصة حبّي في الأرض والسّماء*

 وعلى السّرير في غرفة العمليّات، ابتسمت زينب و صرخ "محمّد" مستقبلًا آلام الحياة، و بقي أربعين يوماً تحت المراقبة حتّى تماثل للشّفاء، و ما لبثت ابتسامة اللّقاء إلا بضع ثوانٍ، قد أيقنت  زينب حينها أنه حان وقت الفراق، فاستودعت طفلها للدنيا تخلق له النّهار أماً و اللّيل أباً، تنهدت و امتثلت إلى الباري قائلة :"بحق ضلع الزّهراء لبيت لكِ الوفاء يا مولاتي يا زينب ".

 كانت هذه عبارة وداعها ولسان حالها يجيب بعلها:

هات يدك واحملني إليكَ   فبعد الشّهادة يطيب اللّقاء

وأنا الملوعة قد رأيت كم  مزّقتني رياح الجفاء

فراشة قلبك  قد حلّقت  مسرعةً إليكَ تلبي النّداء      

 

 

 

 

معلومات إضافية

  • النوع: خبر
قراءة 24645 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

الرزنامة


نيسان 2024
الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت
31 1 ٢٢ 2 ٢٣ 3 ٢٤ 4 ٢٥ 5 ٢٦ 6 ٢٧
7 ٢٨ 8 ٢٩ 9 ٣٠ 10 ٠١ 11 ٠٢ 12 ٠٣ 13 ٠٤
14 ٠٥ 15 ٠٦ 16 ٠٧ 17 ٠٨ 18 ٠٩ 19 ١٠ 20 ١١
21 ١٢ 22 ١٣ 23 ١٤ 24 ١٥ 25 ١٦ 26 ١٧ 27 ١٨
28 ١٩ 29 ٢٠ 30 ٢١ 1 2 3 4
لا أحداث

مواقع صديقة

Image Caption

جمعية المبرات الخيرية

Image Caption

مؤسسة امل التربوية

Image Caption

مدارس الامداد الخيرية الاسلامية

Image Caption

المركز الاسلامي للتوجيه و التعليم العالي

Image Caption

وزارة التربية والتعليم العالي

Image Caption

جمعية التعليم الديني الاسلامي

https://socialbarandgrill-il.com/ situs togel dentoto https://sabalansteel.com/ https://dentoto.cc/ https://dentoto.vip/ https://dentoto.live/ https://dentoto.link/ situs toto toto 4d dentoto omtogel http://jeniferseo.my.id/ https://seomex.org/ omtogel https://omtogel.site/