جاري تحميل الصفحة
مدارس المهدي
الثلاثاء, 08 آذار/مارس 2016 10:02

قصة وعبرة

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

     فيما الأسْوَدُ يسحب بوهنٍ أطراف عباءته مغادرًا آخر تلّةٍ تمتدّ على خاصرة تلك البلدة السّوريّة، كان الأبيض الّذي فرش الأديم ببساطه قد بدا نشيطًا، يدقّ مسامير برده في الوجوه.  استفاقت عيون أولئك الشّباب على نداء الجهاد، فهبّوا للصّلاة قبل أن يذهبوا إلى مواقعهم.  ليس ثمّة أثرٍ أو صوت سوى حفيف الثّياب المرقّطة بنتف الثّلج.  انطلقوا بعتادهم الثّقيل و لم يخطر في بالهم أنّها قد تكون طريقًا قصيرة تؤدّي إلى مكان بعيد جدًّا، أبعد من الأفق الأرجوانيّ المخضّب بالمزن الرّماديّة الغاضبة.

    كان يخترق ذاك السّكون صوت رصاصٍ، فهناك من يترصّد تلك الحركات، عيون فئرانٍ ما برحت مخابئها خوفًا   وذعرًا من رجال الله.

    إذا أمعنت النّظر في حياة كلٍّ منهم، تجد الطّالب الجامعيّ الّذي يعشق الهندسة  وكتبَها، و ترى العاشق الّذي غادر حبيبته على أمل اللّقاء، وترى الأب الّذي ودّع زوجته وأولاده، فلكلّ واحد منهم حياة أخرى، وأهل وأحبّة، و لقد تعدّدت طوائفهم و جنسيّاتهم.  محمّد وعليّ اللّبنانيّان المسلمان وجورج المسيحيّ السّوريّ و أحمد العراقيّ وغيرهم ممّن وحّدتهم كلمة الحقّ ووحدة المسار والمصير، سلكوا خطًّا جهاديًّا مرصّعًا بلآلئ العزّة و الكرامة. ..

    عليٌّ، ذلك الشّابّ اليافع، ترك مقعد دراسته و كتبَه و ذهب إلى حيث الواجب.  غلى الدّم في عروقه، وثارت ثائرته، وهو يرى مرقد العقيلة وأنياب الإرهابيّين تتحيّن الفرص لنهشه، كيف يتجرّأونَ على التّفكير بإيذائه وهو يحتضن بضعة الزّهراء(ع)، الّتى ماتت ودفنت بعيدًا عن موطن أهليها؟ كانت دقّات قلبه تُسمع وكأنّها خبط المطارق، واضعًا نصب عينيه دحر كلّ طاغيةٍ أو إرهابيٍّ يفكّر في الوصول إليها، وكذا كلّ الشّباب الّذين كانوا برفقته.

    تقدّمت مجموعة عليّ نحو قائدها المتسمّر أمامها كاللّيث، نظر إليهم فردًا فردًا: منهم من خطّ الشّيب بعض سطور شعره الأسود ومنهم من كان في أوجّ الرّجولة، ومنهم من كان في ربيع العمر. خاطبهم بلغة الحسين(ع) في كربلاء" من أراد منكم العودة من حيث أتى فليعد، الطّريق مفتوحة أمامه".  إلّا أنّ العيون كانت تعبّر عن مدى تشبّثهم بخيارهم، لا عودة ولا خنوع، وأرض المقدّسات مدنّسة بأنجس الخلق، بأناسٍ لا يعرفون من الإسلام إلّا اسمه ومن القرآن إلّا رسمه.

     بماذا تراها كانت الأرض تشعر وهم يخطّون أقدامهم بين تضاريسها ؟ وبماذا ضجّت السّماء وقد تصاعدت همساتهم إليها ؟ وهل تراها تعلّمت الرّيح من أنفاسهم الأعاصير والقوّة؟

     كانوا يتقدّمون وأنفاسهم الدّافئة تتصاعد لتلامس الأنوف الحمراء قبل أن تتلاشى باردة، و قد تحوّلت المنحدرات إلى منزلقات و غطّت الأرض في بعض الأماكن طبقات جليديّة، فأخذ الرّجال يتشبّثون بعتاد بعضهم البعض و يسحبون اقدامهم سحبًا, كان لهاثهم لا يعبأ بالتّعب و التّعب لا يأبه للحظة خدر وعيون جافت النّوم وأبحرت في لجّة الجهاد. ومن يغترف من ذا العتاد الثّقيل؟! ولكن لا بأس فيد إلهيّة تساعد في حمله وأذكار وصلوات تكسّر الجليد عن الشّفاه.

     علقت رجل عليّ وظنّ أنّ شيئًا من جسده قد تكسّر لثقل ما ينوء به, و لكنّه سرعان ما قام وأكمل الطّريق فلا وقت للألم. كانت قدمه تنغرس في الأرض, كأنّ حذاءه العسكريّ يبحث رغم سماكة الثّلوج عن دفء التّراب. أحسّ بحركة خفيفة، وتناهى إلى مسمعه صوت يتسلّل من بين تلك الأشجار العارية فجرّب أن يتبيّن شخوصهم بين الضّباب الملتف إلّا أنّه لم يرَ شيئًا، ولم تقع عيناه على أثر لهم, فتابع ورفاقه الطّريق، والحذر واليقظة لا تبرحانهم البتّة.   

      كُشِف أمر المجموعة المتسلّلة, المهمّة الّتي أرادوا إنجازها وقعت في براثن الإرهاب، ماذا حصل ؟! أيّ مطر انهمرت زخّاته و لم يضرب البرق أفقًا، ولا زعق في المكان رعد.  هذه الأنياب الّتي برزت وتلك العيون المترصّدة، أرسلت جام غضبها على تلك المجموعة. فأصيب عليّ و سلاحه بيده و القنبلة تلازم قبضته، و جرح آخرون.

     كان عليّ رغم الجراح يتحيّن الفرصة للإيقاع بأكبر عدد ممكن من أولئك الكفرة، فانتظرهم ليفجّر نفسه فيهم.  كان أحمد على مقربة منه فطلب منه الزّحف إلى مكان بعيد ليصلبه الانتظار بمسامير التّرقّب. . دقائق تختزل العمر لتحقّق الحلم "الشهادة"...

    ذاب الثّلج عند ضفاف الدّم السّاخن، فأخذ يشقّ طريقه فوق الأبيض النّاصع بهدوء.  ترى ماذا تنبت اليد إذا ما زرعت أناملها في أثلام الأرض، أم ذلك الدّم القاني، إذا ما امتصّه التّراب وسرى فيه؟

    كان عليّ يهمس للقنبلة الّتي أبت أن تغادر قبضته :" آن أوان قطافنا معًا، سيرجع هؤلاء قريبًا، و سنأخذ منهم كلّ مأخذ, سندوّي معًا. .."

    كان شريط الذّكريات و الآمال يمرّ في خاطره، تلك الأم ّالطّيّبة الّتي كانت أنفاسها تدفّئه و عيناها تزرعان الحبّ والأمل في نفسه، وتلك الأخت الملتهب فؤادها لعودة سندها... وتلك الحبيبة المترقّبة قدوم محبوبها على أحرّ من الجمر. و الكتب المستريحة على طاولته الخشبيّة تتوق لدفء راحتيه. أغمض عينيه الدّامعتين و نظر إلى الطّريق الّذي شقّ أمامه، إنّه طريق الجنان، فابتسم وقال :" إلهي ماذا وجد من فقدك؟ و ماذا فقد من وجدك ؟"، ثمّ فتحهما ورمق أحمد بطرفه، وأومأ إليه بالابتعاد، راسمًا على شفتيه الذّابلتين ابتسامة الوداع...

   سمعه أحمد يقول تلك الكلمات، وفهم مراده، وأدرك أنّ الشّهادة باتت قريبة من رفيقه، فأودع عنده سلامه على أهل البيت و راح يزحف حتّى ابتعد عن عليّ. ..

   تقدّمت مجموعة من الإرهابيّين منه لكي تسحب جسده، ظنًّا منهم بأنّه قد استشهد، ففجر نفسه فيهم، ونال مبتغاه.

   وبعد أن خمدت نار المعركة، عاد رفاق الجهاد إلى مكان العمليّة، فلم يجدوا جسدًا لعليّ، فقد تناثر و حلّقت روحه إلى الملكوت، فأسعفوا الجرحى ممّن بقي ليخبر بقصّة عليّ و القنبلة. ..

                                                         ريحانة عبدالله العوطة 

                                                           السّادس الأساسيّ

                                                         المهديّ(ع) بعلبكّ

معلومات إضافية

  • مصدر الخبر: بعلبك
  • الكاتب: ريحانة عبدالله العوطة
  • الشخصية الراعية: -
  • مكان النشاط: -
  • النوع: خبر
قراءة 22609 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

الرزنامة


نيسان 2024
الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت
31 1 ٢٢ 2 ٢٣ 3 ٢٤ 4 ٢٥ 5 ٢٦ 6 ٢٧
7 ٢٨ 8 ٢٩ 9 ٣٠ 10 ٠١ 11 ٠٢ 12 ٠٣ 13 ٠٤
14 ٠٥ 15 ٠٦ 16 ٠٧ 17 ٠٨ 18 ٠٩ 19 ١٠ 20 ١١
21 ١٢ 22 ١٣ 23 ١٤ 24 ١٥ 25 ١٦ 26 ١٧ 27 ١٨
28 ١٩ 29 ٢٠ 30 ٢١ 1 2 3 4
لا أحداث

مواقع صديقة

Image Caption

جمعية المبرات الخيرية

Image Caption

مؤسسة امل التربوية

Image Caption

مدارس الامداد الخيرية الاسلامية

Image Caption

المركز الاسلامي للتوجيه و التعليم العالي

Image Caption

وزارة التربية والتعليم العالي

Image Caption

جمعية التعليم الديني الاسلامي

Homeالصفحة التربويةمساحة التلامذةعرض العناصر حسب علامة : أربعين الإمام الحسين (ع)
https://socialbarandgrill-il.com/ situs togel dentoto https://sabalansteel.com/ https://dentoto.cc/ https://dentoto.vip/ https://dentoto.live/ https://dentoto.link/ situs toto toto 4d dentoto omtogel http://jeniferseo.my.id/ https://seomex.org/ omtogel https://omtogel.site/